ما إن تمر من منطقة ما من مناطق محافظة ريمة، حتى تجد طريقا جديدة، معبّدة أو مرصوفة، أو ما يزال العمل فيها جاريًا، وجميعها وُجِدت بتمويل ذاتي وبمبادرات مجتمعية محلية من أبناء المناطق نفسها. فبينما تُبرز الحرب المندلعة في اليمن صور الموت والبؤس والحرمان، تبدو مشاهد الحياة والإعمار جلية في أعالي جبال ريمة، يجسّدها أبناؤها الذين حضروا في وقت غابت الدولة فيه عن القيام بدورها، وغابت مصالح المجتمع عن أذهان الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ إعلان ريمة محافظة مستقلة عام 2004م.
بجهود ذاتية يعملون على خدمة عزلهم وقراهم المعلقة على رؤوس الجبال، والتي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. إذ ينحتون على الجبال طرقا فرعية تخفف عنهم أعباء المعيشة التي خلفتها الجغرافيا الجبلية الصعبة المحفوفة بالمخاطر، وتختصر لهم المسافات الطويلة الوعرة التي تتسبب في بعض الأحيان بفقدان أحبائهم المرضى، فيقضون وهم محمولين على أكتاف المسعفين، قبل أن يصلوا إلى السيارات المركونة على جانبي الطرق الرئيسية.
“سواعد تشد بعضها بعضا”
نشطت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة مشاريع شق ورصف طرق جديدة، ومشاريع تأهيل طرق ترابية قديمة دمرتها الأمطار والسيول، فلا تخلو مديرية من مديريات ريمة من هذه المشاريع الممولة ذاتيًا، إذ تتبنى شخصيات اجتماعية عمل صندوق محلي تقوم من خلاله بجمع مساهمات وتبرعات مالية من أبناء المجتمع خصوصًا المغتربين، وذلك بهدف شق طريق أو تأهيل آخر، وهو الأمر الذي يلاقي تعاونًا وتفاعلًا من قبل الكثيرين.
في تصريح لـ”ريمة بوست”، يقول فادي الحميري، مؤسس مبادرة شق ورصف طريق رأس الشرف – القبلة، باليمانية بالجعفرية، أنه بدأ بفكرة إنشاء صندوق مجتمعي لدعم وتنفيذ مشروع شق ورصف الطريق التي تربط قرية القبلة بخط رماع، وقد لاقى تفاعلا كبيرا من الأهالي.
ويضيف، أن الدور الذي يقوم به المجتمع هو دور تكاملي، إذ يجود غالبية المغتربين بأموالهم لصالح التنفيذ، في حين يتنازل الأهالي بالأملاك التي ستمر منها الطريق الفرعية، بينما يعمل آخرين بشكل مجاني في عملية الشق كدعم لتنفيذ المشروع، وتجسيدا للمسؤولية التي تقع على عاتقهم كجزء من مجتمع واحد يسعى لتحقيق مصلحة عامة.
في السياق ذاته، يشير أنور الرمادي، ضابط مشاريع لدى الصندوق الاجتماعي للتنمية، إلى أهمية الدور الذي تقوم به السلطات المحلية أنذاك، إذ يشير أنها تساهم في تسهيل تنفيذ المشاريع، وتذلل الصعوبات التي تواجه المواطنين، مؤكدا في ذات الوقت أن هذه المبادرات المجتمعية ساهمت في سد الفجوة الحاصلة بين المجتمع والسلطة المحلية.
وقد وصلت عدد المشاريع التي نفذت بريمة بتمويل ذاتي حتى عام 2017م، أكثر من 17 مشروع شق طرق فرعية جديدة، و9 مشاريع رصف طرقات قديمة، إضافة إلى تنفيذ العديد مشاريع بناء فصول مدرسية وخزانات مياه يعتمد عليها السكان لحفظ مياه الأمطار، وفقا لإحصائية نشرها ملتقى شباب ريمة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ورصدتها منصة “ريمة بوست”.
إسهامات مجتمعية بمئات الملايين
تضاعفت أعداد المبادرات والمشاريع التي تنفذها، وازدادت وتيرة التكاتف والتنافس بين أبناء المجتمع على تحقيق التنمية في مناطقهم خاصة الطرقات على مستوى مديريات المحافظة، وذلك إيمانا منهم بقول الشاعر: “لا يرتقي شعب الى أوج العلا. مالم يكن بانوه من أبنائه”. حيث تصل تكلفة بعض هذه المشاريع إلى مئات الملايين من الريالات. ففي مديرية كسمة، نفذ الأهالي عام 2018م، مشروع شق ورصف طريق بني منصور – شعف، بطول يبلغ 3.5 كيلو متر، وتكلفة إجمالية تزيد عن 90 مليون ريال.
في حين نفذ أهالي عزلة بني الحصامي بالجعفرية، مشروع شق ورصف طريق يصل منطقتهم، بخط منطقة بني العامري الحدية، بتكلفة تزيد عن 45 مليون ريال، بحسب فادي الحميري، أحد الفاعلين في المبادرة.
فيما يؤكد أنور الرمادي، ضابط مشاريع لدى الصندوق الاجتماعي للتنمية، أنه تم عمل 538 مبادرة ذاتية في مديرية السلفية، ونُفذت عدة مشاريع تنموية بتكلفة إجمالية بلغت 45.895.400 مليون ريال، بحيث مثلت مشاريع شق ورصف الطرق ما نسبته 70% من إجمالي المشاريع الأخرى.
في السياق ذاته، افتتح مدير عام مديرية كسمة، حيدر حسن الجبوب، في ابريل المنصرم 2020م، أربع طرق فرعية في منطقة المغارم بطول يبلغ 6 كليو متر، وتمويل يزيد عن 48 مليون ريال، فيما دشن بدء العمل في ثلاثة طرق أخرى في منطقتي يامن والمغارم، بطول 5 كيلو متر، وتكلفة تفوق 47 مليون ريال، وجميعها بتمويل مجتمعي من أبناء المناطق ذاتها.
نموذج مشرق
رغم وجود المبادرات المجتمعية في مشاريع شق ورصف الطرقات في ريمة بشكل عام، إلا أنها أقل انتشارا في مديريات مزهر، والجبين، وبلاد الطعام، وذلك وفقًا لرصد معد التقرير. بينما تنتشر في مديريات السلفية وكسمة والجعفرية، وهو ما يؤكده ضابط المشاريع لدى الصندوق الاجتماعي للتنمية، أنور الرمادي.
بالمقابل تعتبر منطقة سامد بمديرية الجعفرية، من أكثر المناطق التي تنشط فيها المشاريع الخدمية، إذ نفذ أبنائها خلال الست السنوات الماضية، إحدى عشر مشروعا في شق ورصف طرق فرعية جديدة، تتجاوز تكلفتها 200 مليون ريال، وفقًا لشرف السامدي أحد العاملين في المبادرات بالمنطقة.
ويُرجع فادي الحميري، ذلك، إلى ثقافة التعاون التي يتحلى بها أبناء منطقة سامد، وسخاء أكفهم في دعم المشاريع التنموية التي تخدم المصلحة العامة وتساعد في التخفيف من معاناة أهاليهم في تلك المناطق.
فرص عمل للشباب
لم تقتصر أهمية مشاريع شق ورصف الطرق على خدمة الأهالي والتخفيف من معاناتهم في السير لمسافات طويلة عبر طرق وعرة، بل تعدت ذلك إلى إسهامها في توفير العشرات من فرص العمل لأبناء تلك المناطق. حيث يؤكد شرف السامدي في حديثه لـ”ريمة بوست”، أن مشروع شق ورصف الطريق العام بسامد وفّر ما يقارب 52 فرصة عمل لأبناء المنطقة، وهو الأمر الذي ساهم في الحد من سفر الشباب إلى المحافظات الأخرى للبحث عن أعمال، حد قوله.
ويضيف، أنه تتفاوت نسبة ما توفّره تلك المشاريع من فرص عمل، وذلك بحسب حجم المشروع، وهو الأمر الذي يشير إليه، محمد عبدالله سعد، المسؤول المالي لصندوق مشروع شق ورصف طريق اللمهيل – نعمة، بالجعفرية، إذ يقول أن العمل في الطريق يوفّر في حده الأدنى 20 فرصة عمل، بينما يوفّر في حده الأعلى 35 فرصة عمل، وهي فرص تستمر خلال فترة تنفيذ المشروع.
ويُرجع سعد، سبب زيادة فرص العمل، إلى اعتماد هذه المشاريع على الأيدي العاملة بشكل أساسي، كونها طرقات جبلية فرعية وتمر وسط أملاك المواطنين، واستخدام آلات ومعدات شق ثقيلة قد يتسبب في تدمير المدرجات الزراعية وتضرر أراضي وممتلكات الأهالي.
صعوبات مادية وأخرى مجتمعية
وتعاني المبادرات المجتمعية من عدة معوقات وصعوبات تعرقل سير عمل مشاريع الطرق التي تنفذها. أبرزها بحسب سعد، نقص التمويل بسبب ارتفاع تكلفة تنفيذ المشروع خصوصًا أن بعض المناطق تحتاج إلى جدران ساندة للطريق يصل ارتفاع بعضها إلى 120 متر، ويحتاج بناؤها إلى تكاليف باهضة، بينما تركها قد يسبب انهيارات صخرية.
في حين، يشير فادي الحميري، أن من المعوقات الأخرى، عدم تعاون بعض المواطنين الذين يمر مشروع شق الطريق في أملاكهم الزراعية، ورفضهم التنازل عنها أو بيعها للصالح العام، في تصرفٍ يعتبره، الحميري، أنانية وتعنّت مقصود يهدف لعرقلة المصالح الخدمية التي يستفيد منها المواطن.
من جانبه، يقول أنور الرمادي، ضابط لدى الصندوق الاجتماعي للتنمية، أن بعض المجالس المحلية غير متعاونين فيما ينفذه الصندوق من مبادرات، أن انعدام المحروقات يساهم في توقف بعض المشاريع خصوصًا تلك التي يعتمد في شقها على أدوات ومعدات شق ثقيلة.