في غرفة صغيرة مزدحمة بأدوات الخياطة المختلفة وقطع الأقمشة المتنوعة، تجلس فاطمة الوادعي،(49 عامًا)، مديرية الجبين؛ على ماكينة الخياطة الكهربائية لِما يقارب 7 ساعات يوميًا، وبنشاط يوحي بأن عمرها أصغر بكثير عمّا في الواقع، تحرّك أناملها لتضبط مسار حركة الإبرة على القماش، لتخيط كمامة طبية ذات جودة عالية.
بنوع من الشعور بالرضاء عن الذات تقول “فاطمة”، أنها في البدء سُعدت كثيرا حين طلب منها أحد الصيادلة بمديرية الجبين، صناعة كمامات طبية وهو سيتكفل ببيعها بمبالغ رمزية، خصوصًا في ظل انتشار جائحة كورونا وانعدام الكمامات الطبية من الأسواق وازدياد حاجة الناس إلى استخدامها.
وتضيف في حديثها لـ”ريمة بوست”، أنها كانت مترددة عن القيام بالأمر، كونه جديد عليها، ولكن عندما وافق مكتب الصحة بالمحافظة، على نوعية القماش المستخدم لصنع الكمامات، شرعت في العمل، وسخّرت كل جهدها ووقتها في سبيل ذلك. وأنتجت في البداية ما يقارب 250 كمامة ذات مواصفات جيدة.
مع ارتفاع خطر انتشار جائحة فيروس كورونا كوفيد19، ازدادت حاجة الناس إلى استخدام أدوات الوقاية، أبرزها الكمامات، ولكنها كانت منعدمة من الأسواق، الأمر الذي دفع العديد من أصحاب الصيدليات والمراكز الصحية لطلب المزيد من الكمامات التي تصنعها “فاطمة”، حد قولها.
وتستطرد بشغف، أنه في إحدى المرات طُلب منها عشرة آلاف كمامة (10000) لصالح رجال الأمن والشرطة، وهو ما يفوق قدرتها الإنتاجية بشكل كبير، فاستعانت بإحدى صديقاتها لمساعدتها في صنع الكمية المطلوبة، وتغطية الاحتياج الدائم للكمامات في مديرية الجبين بريمة، وهو ما عاد عليهما بالدخل المادي المناسب لتغطية احتياجات الحياة، حد قولها.
وتوضح، أن رغم ما تنتجه من الكمامات هي وغيرها من النساء، إلا أن الاحتياج ما زال قائمًا نتيجة الاستهلاك الدائم وحاجة المجتمع المتواصلة لاستخدام الكمامات في معظم نواحي الحياة.
جهود حثيثة لخدمة المجتمع
كغيرها من المحافظات اليمنية، انعدمت من صيدليات محافظة ريمة الأدوات الطبية الوقائية من فيروس كورونا المستجد، ولم تعد متوفرة إلا بأثمان باهظة، نتيجة احتكارها من قبل بعض التجار الذين استغلوا حاجة المواطن إلى استخدامها للحفاظ على حياته من جائحة عالمية (كوفيد19) التي أثقلت كاهل العالم، وسرقت أرواح مئات الآلاف من البشر، وعطّلت معظم مجالات الحياة.
هذه الجائحة جعلت للكمامة الطبية قيمةً لم يكن أحد يتوقعها، حيث أصبح سعرها يزيد بعشرة أضعاف عن سعرها السابق، فضلًا عن عدم توفرها في صيدليات ريمة التي يفتقر قطاعها الصحي بشكل عام إلى أبسط الخدمات والمستلزمات الطبية. وهو الأمر الذي دفع المرأة إلى صناعة الكمامات الطبية وتغطية العجز الحاصل، بما يُسهم في دعم طرق الوقاية وتقديم خدمة إنسانية للمواطنين مقابل أسعار مناسبة.
يقول سليم الشاوش، (٣٥)، صيدلاني بريمة، أنه تم استهلاك وبيع جميع الكمامات الموجودة لديه، وعند طلبه شراء كمية أخرى من إحدى شركات الأدوية والمستلزمات الطبية بصنعاء، أخبروه أنها شبه معدومة، ولكن يمكنه الحصول عليها بأسعار مرتفعة.
ويضيف لـ”ريمة بوست”، أنه مع ازدياد الحاجة للكمامات قام بشراء القماش المناسب وأخذ موافقة مكتب الصحة على مواصفاته، ولجأ لإحدى النساء العاملات في الخياطة، وطلب منها صناعة كمامات طبية، وهو سيقوم ببيعها للمواطنين بأسعار مناسبة، من 100 ريال إلى 150 ريال للكمامة الواحدة.
بدورها سلوى الساري، إحدى فتيات ريمة وتعيش في صنعاء، المدير التنفيذي لمبادرة رسالة خير؛ أنشأت معملًا متخصصًا بصناعة الكمامات والبدلات الطبية الواقية من فيروس كورونا. تقول لـ “ريمة بوست”، أن إيمانها بفكرة إنشاء المعمل جاء من أجل خدمة البسطاء الذين لا يستطيعون توفير لقمة العيش فضلا عن شراء كمامة وصل سعرها ما يقارب 400 ريال يمني.
وتضيف أنها قامت في البداية بحملة تبرعات واستطاعت من خلال تبرعات مساهمات المتبرعين توفير 4000 كمامة، وقامت بتوزيعها مجاناً على المواطنين في الأحياء الفقيرة بصنعاء، بهدف تشجيعهم على اتخاذ الاجراءات الوقائية من الفيروس.
في السياق ذاته، يقول الناشط المجتمعي، محمد يوسف، أن للمرأة دورا إيجابيًا في كسر الاحتكار ومواجهة فيروس كورونا، من خلال توفير الكمامات الطبية، ونشر اجراءات الوقاية، ويرى أن هذا الدور ساهم بشكل أو بآخر في رفع الوعي لدى الناس بأهمية المرأة وقدرتها على وضع الحلول التي تساعد في التقليل من المخاطر التي تواجه المجتمع بشكل عام.
فرصة لتمكين نفسها رغم الصعوبات
وتستدرك الساري، أنها لاقت صعوبات عديدة أبرزها صعوبة استدامة المشروع بسبب انعدام التمويل، ولكنها تغلبت على ذلك من خلال قيامها بأخذ قرض مؤجل من إحدى الشركات المصرفية، واستطاعت بذلك الاستمرار في إنتاج كمامات وبدلات طبية وأقنعة واقية، ذات مواصفات عالية ومطابقة عالميا وتم الموافقة عليها من قبل وزارة الصحة والسكان والجهات ذات الاختصاص، حد قولها.
وتشير الساري، أنه من خلال افتتاحها المعمل وفرت أكثر من 20 فرصة عمل للنساء، وهو الأمر الذي تعتبره منجزًا بحد ذاته، بحيث اعتمدت أن تكون الأولوية للنساء لتمكينهن اقتصاديا خصوصًا اللاتي يعولن أسرهن وليس لهن مصدر دخل آخر.
وفي السياق ذاته، تقول فتحية (38 عامًا)، أنها بعد حصولها على ماكينة خياطة أثناء تدربها لدى مؤسسة ريمة في برنامج مهني لتمكين النساء المعنفات، قامت بخياطة ما يقارب 100 كمامة، وتكفلت المؤسسة بتسويقها، ليُسهم العائد المادي في تمكينها اقتصاديًا، غير أن نقص الإمكانيات لديها تسبب في توقفها عن مواصلة العمل.
وتضيف:”لكن في حال توفر لي القماش والامكانيات سأعمل على صنعها حتى وإن كان عملها شاق قليلاً ولكن أريد ممارسة عملي خصوصاً أنه عمل انساني أكثر من كونه مادي. لأني استمتع كثيرًا حينما أرى المواطنين يرتدون كمامات من صنعي”.
ويرى أحمد سهمان رئيس فريق الاستجابة الطارئة لمواجهة فيروس كورونا بكسمة، أنه رغم الصعوبات التي تواجه المرأة بريمة من حيث عدم وجود التمويل وعدم توفر القماش المناسب لصناعة الكمامات الطبية، إلا أن الكثير منهن في المديرية قمن بصنعها باستخدام القماش العادي، على الأقل لتوفيرها لأسرهن.
وبكادر نسائي يتجاوز 60 امرأة، عاد في مارس المنصرم مصنع الغزل والنسيج بصنعاء للعمل على إنتاج الكمامات الطبية لتغطية العجز في السوق المحلية، بعد أن ظل مغلقًا ما يقارب عشرين عامًا.
المرأة رافد لكل القطاعات
لم يقتصر دور المرأة الريمية على صناعة الكمامات وتوفيرها للمواطنين عبر الصيدليات فقط بل ساهمن في دعم القطاع الصحي وغيره من القطاعات الحكومية إذ تقول سلوى الساري، المدير التنفيذي لمبادرة رسالة خير، أنها تبرعت بثلاثة آلاف كمامة وثلاثة آلاف قناع طبي وقائي، لفرق الاستجابة الطارئة والعاملين في القطاع الصحي بمديريات ريمة الست.
وهو ما يؤكده أحمد سهمان رئيس فريق الاستجابة لمواجهة كورونا بمديرية بكسمة، في حديثه لـ”ريمة بوست”، حيث يقول، أنه بعد تحرير مذكرة إلى مبادرة رسالة خير، قامت بتوفير كمية من الأدوات الوقائية، كمامات وأقنعة واقية، ولكنها لم تصل مديرية كسمة، إذ ما زالت لدى مكتب الصحة بالمحافظة.
ويرى سهمان، أن المرأة هي الجندي المجهول في مواجهة فيروس كورونا بريمة، حيث ساهمت بشكل كبير في التقليل من احتمالية انتشاره، من خلال حرصها على توفير الكمامات سواء عن طريق بيعها للمواطنين أو الاكتفاء بصنعها وتوفيرها فقط لأفراد أسرتها.