ما إن ينبثق نور الصباح في قرية العارضة بمسور ريمة حتى وتبدأ سوسن عبدالله حسن المسوري ذات الـ١٢ عاماً رحلتها في أعالي الجبال لبيع فاكهة الموز للناس، لتدخر مبلغاً متواضعاً تنفقه في سبيل مواجهة الأعباء المعيشية التي تتحملها تجاه أسرتها.
رحلة شاقة ورزق صعب
يتصف المرور بين المنحدرات الجبلية في مناطق ريمة بالخطر على السالك أو السالكة فيه، فغالباً ما تنتهي الرحلة بالإصابة أو الموت، فالطريق تتسع للأقدام فقط فالسكان ينقلون أشيائهم واحتياجاتهم على متن دواب، وهو الأمر الذي تتبعه سوسن ببيعها لفاكهة الموز على متن دابة تتنقل معها في كل المناطق والأحياء السكنية في رؤوس الجبال، لكن المسوري تجيب عن دافعها بالعمل والتجول لأكثر من أربع ساعات يومياً وسط بيئة وعرة ومتباعدة جغرافيا.
تقول إن والدها بلا دخل شهري، إذ هو عاملٌ بالأجر اليومي، فتارةً يجد عملا وغالباً ما يتوقف لأيام وأسابيع عاطلا، ًوذلك لشحة الفرص في القرية وما يزيد من إصرارها على العمل أن أسرتها تتكون من عشرة أشخاص جُلهم من الاطفال، ودخل والدها أثناء أيام عمله – إن وجد- لا يكفي لمعيشة مستورة قائلة: “أسير أنا وأخي بعد صلاة الفجر إلى الوادي أَبُـز الموز وأحملها فوق الحمار وأرجع بها إلى البيت وفي اليوم الثاني أخرج أطلب الله وأبيعها في القرى يوقع لي ألف ألفين باليوم”(أذهب أنا واخي بعد صلاة الفجر إلى الوادي _حيث يزرع ويباع الموز_ لجلب الثمرة والعودة بها إلى المنزل لأقوم ببيعها في اليوم التالي في القرى، لأدخر ربحاً يتراوح بين 1- 4دولار في اليوم الواحد).
وتخوض سوسن رفقة شقيقها رحلة شاقة بين طرقات جبلية محفوفة بالمخاطر سيما مع انتشار الكلاب المسعورة التي فتكت بأكثر من 35 طفلاً في ريمة منذُ بداية هذا العام حسب إحصاءات قادمة من مراكز صحية ومستشفيات في المحافظة .
مسؤوليات كبيرة وحرمان أكبر
تستند سوسن على عتبة باب منزلها المتهالك في قرية العارضة بمنطقة مسور مديرية مزهر بضمها لأختها هالة ذات الستة الاشهر لتقوم بحضنها وإيوائها لمساعدة والدتها.. فمسؤوليتها بعد العودة من رحلة الرزق الشاقة تربية أشقائها والعناية بهم وجلب الماء وحزمة الحطب من أماكن بعيدة .. مسؤوليات منزليها تجعلها حريصةُ على العودة قبل الظهيرة لإنجازها، لكنها تتحسر مع كل عودة حين تعود إلى منزلها بينما قريناتها من الفتيات يعدنَ من مرافق الدراسة، أو يقضين إجازات دراسية مرفهة.
وعن حرمانها من التعليم تقول: “شيك سير المدرسة حتى يوم واحد سعما صحباتي “(أريد الذهاب إلى المدرسة حتى ليوم واحد مثل صديقاتي) فقد منعتها الظروف الإقتصادية المتردية لأسرتها من الإلتحاق بصفوف الدراسة، فهي تقضي أكثر من 12 ساعة بين مسؤوليات جلب الرزق من أماكن متعددة والتدابير المنزلية، خصوصاً وهي أكبر أشقائها.
وكانت محافظة ريمة في عام 2018 سجلت حوالي 17858 من الفتيات اللواتي تركنَ فصول الدراسة حسب إحصائية إدارة تعليم الفتاة في مكتب التربية والتعليم.
وعن الدور المناط بالأسرة يجيب والد سوسن بقوله : إنه لا يستطيع الاستغناء عنها حتى لحظة واحدة في أمور المنزل والعمل.. لكنه يكمل بتحسر بقوله: إنهُ يتمنى أن الظروف تتهيأ ليتمكن من تعليمها والإنفاق على بقية إخوتها وأمهم، ويكمل عبدالله المسوري حديثه أن المنظمات الإغاثية لم تصل إليه منذُ بداية الحرب المشتعلة في البلاد .
مأوى مُتعب
تحت سقف ترابي وفي غرفة ضيقة تمكث المسوري هي وأشقائها وشقيقاتها الثمانية ، والذين يتوزعون على أربعة أولاد وثلاث فتيات إلى جانب سوسن التي تنشغل بشقيقها المعاق جسدياً ، وتقوم برعايته والعناية به لكن الغرفة التي يسكن جميع الأبناء فيها لا تفي بالغرض، وتبدو مكتظة بشكل مُرهق لسلامتهم وصحتهم، حتى في مكان الاسترخاء.والنوم تقوم بالعناية بشقيقها محمد ذات الثمانية إعوام الذي غالباً ما يتوجع ليلاً، خصوصاً أثناء موجة الرياح التي تتدفق من جدران الغرفة لأنها ليست مبنية بشكل جيد، لتقوم هي بتغذيته بالطعام وتدفئته ببطانية متواضعة,.. طوال اليوم تنفق سوسن في مساعدة أسرتها جهداً ومالاً كغيرها من الفتيات اللواتي يتحملن أعباء الظروف الإقتصادية والاجتماعية، وبحسب وحدة مكافحة عمال الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فقد ازدادت عمالة الأطفال في اليمن إلى أكثر من 3 ملايين طفل في عام 2016 مقارنة بمليون و614 ألف طفل في عام 2010.