تحت حر شمس الظهيرة يجول حسام حسن 11 عاما (وهو من مديرية الجعفرية) في شوارع العاصمة صنعاء حاملا بيديه طبق بيض مسلوق، أعدّته والدته فجرا، ليقوم ببيعه، وجمع بعض المال من أجل توفير احتياجات أسرته التي يعولها منذ عامين، أي منذ وفاة والده بحادث مروري في أحد طرقات صنعاء.
يقول حسام حسن في حديث لـ “ريمة بوست” أنه بعد وفاة والده أضطر إلى ترك الدراسة، وعمل في بيع البيض المسلوق من أجل توفير لقمة العيش له وأسرته. بعد ساعات طويلة من العمل في شوارع صنعاء المليئة بالمخاطر، يعود حسام إلى البيت وفي جيبه مبلغا بسيطا، ما بين 500-1000 ريال يوميا ( ما بين الدولار والدولارين). ورغم المخاطر التي يتعرض لها حسام في الشارع إلا أنه لا يفكر ترك هذا العمل كونه الحل الوحيد الذي يعيشون من خلاله مستورين في هذه الحياة حد قوله.
آثار الحرب
لم تكن عمالة الأطفال ظاهرة جديدة في اليمن بشكل عام، وريمة بشكل خاص، إلا أنها تضاعفت بشكل كبير في السنوات الأربع الأخيرة أي منذ اندلاع الحرب في مارس 2015م. فقد كانت في الماضي تقتصر عمالة الأطفال بريمة على المستوى المحلي، حيث تفرض الظروف الريفية والزراعية على الأطفال مساعدة أهاليهم في أنشطة الزراعة وغيرها من الأعمال التي تتطلبها البيئة الجبلية والريفية، غير أنه ومع ظروف الحرب المندلعة منذ خمس سنوات، وانقطاع رواتب الموظفين وتدهور الوضع بشكل عام، تزايدت ظاهرة عمالة الأطفال، فأصبح أطفال ريمة يتركون مدارسهم وأهاليهم ويسافرون إلى مدن يمنية أخرى، للبحث عن فرص عمل توفر لهم ولأسرهم جزءا من متطلبات الحياة.
تقول لبنى اليوسفي المدير التنفيذي لهيئة التنسيق للمنظمات اليمنية الغير حكومية لرعاية حقوق الطفل، أن ظروف الحرب التي تعيشها اليمن دفعت الكثير من الأطفال للانخراط في سوق العمل خاصة الأعمال الحرة أي في الشوارع لبيع (الماء أو الفاين أو القات أو تحميل الباصات) وغيرها من الأعمال.
وتضيف اليوسفي في حديث لـ “ريمة بوست” أن ظاهرة عمالة الأطفال زادت مؤخرا بشكل كبير في المدن، مشيرة أن الوضع الاقتصادي المتردي دفع الأطفال إلى مغادرة الأرياف والذهاب إلى المدن للبحث عن فرص عمل، كون فرص العمل تتنوع وتعدد في المدن بشكل كبير مقارنة بالريف.
ويعتبر حمزة محمد 13 عاما، واحدٌ من بين مئات الأطفال الذين أجبرتهم الظروف الاقتصادية الصعبة التي أنتجتها الحرب؛ على السفر وترك أهاليهم بريمة. فقد سافر حمزة إلى صنعاء باحثا عن فرصة عمل، غير أنه رُفضَ من قِبل أغلب أرباب العمل من أصحاب المحال التجارية والمطاعم، بسبب صغر سنّه، كما يقول. ومع محاولاته المتكررة في البحث، حظي بعمل في أحد المطاعم الشعبية بمنطقة الحصبة بصنعاء.
يقول “القوزي” مالك المطعم الذي يعمل فيه حمزة في تصريح لـ”ريمة بوست” أنه بداية الأمر رفض أن يعمل حمزة لديه لأنه لم يكن محتاجا لعمالة جديدة، وأستدرك قائلا: “لكن عندما أخبرني أحد العاملين معي في المطعم، أن حمزة يعول أسرته المكونة من أمه وأخواته الأربع، وأن والده مصاب بحالة نفسية، قبلت ان يشتغل معي”. ويعمل حاليا الطفل “حمزة محمد” في غسل الصحون والأطباق في ذلك المطعم مقابل 1200 ريال أي بما يعادل دولارين في اليوم الواحد.
وبحسب “منى سالم” مدير عام وحدة مكافحة عمالة الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فإن نسبة عمالة الأطفال في اليمن ارتفعت من مليون و 614 ألف طفل في العام 2010م، إلى أكثر من 3 ملايين طفل في العام 2016م.
ملاذات غير آمنة
تزدحم شوارع المدن بالأطفال العاملين في مجالات مختلفة، فقد فرضت عليهم ظروف الحرب واقعا صعبا ومليئا بصعوبات شتى ما يزالون صغارا على معايشتها، وتعتبر عمالة الأطفال من الأسباب التي تعرضهم لمخاطر جسدية ونفسية عديدة. ويشير حقوقيون أن عمل الطفل في بيئات مختلفة غير آمنة كالشارع وغيرها، قد تدفعه إلى اكتساب ممارسات وسلوكيات خاطئة، كالالتحاق بجماعات متطرفة أو حتى انخراطه في أعمال غير أخلاقية وغير مشروعة، وهو ما ينعكس سلبا على حاضر الطفل ومستقبله.
وتضيف لبنى اليوسفي المدير التنفيذي لهيئة التنسيق للمنظمات الغير حكومية لرعاية الطفل، أن عمل الأطفال يعرضهم لأشكال عديدة من الانتهاكات، أبرزها تعرضهم للاستغلال السيء بمختلف أشكاله نتيجة حاجتهم للمال، إضافة إلى أن دفع بعضهم للتسول، مؤكدة “أن انتشار هذه الظاهرة أمر خطير جدا على الأطفال”.
طفولة منسية
“إن الحرب وما خلفته من آثار على اليمن بشكل عام دفعت المانحين بالاهتمام بمشاريع الاستجابة الإنسانية الطارئة دون الاهتمام بظاهرة عمالة الأطفال”، حد قول لبنى اليوسفي المدير التنفيذي لهيئة التنسيق لرعاية الطفل.
وفي السياق أشار تقرير نشرته منظمة العمل الدولية في مارس 2019م أن الصدمات الاقتصادية الأخيرة والاضطرابات السياسية والنزاع والحرب قد أدت إلى تفاقم مستويات عمالة الأطفال عما كانت عليه في السابق. كما أكد التقرير أن 35% من الأطفال في اليمن منخرطون في سوق العمل. وهو الأمر الذي يدعو للتساؤل عن الدور الذي تقدمه المنظمات الدولية والمحلية المعنية في مجال الطفولة في اليمن. خاصة أن ظاهرة عمالة الأطفال ظلّت غائبة – وما زالت – عن جدول أعمالها ومشاريعها منذ خمس سنوات وأكثر. ليبقى الأطفال في ريمة وغيرها من المدن ضحية لحروب لم تتوقف وظروف اقتصادية صعبة لم تترك لهم مجالا للاختيار.