تحت حرارة شمس الظهيرة، يمشي “فايز”، طالب بكلية التربية، ما يقارب 7 كيلومتر، سيرا على الأقدام من أجل شراء وجبة غذاء من سوق الجبين (مركز المحافظة) يسد بها رمقه، لكنه في الغالب يصل وقد أقفلت المطاعم أبوابها، ليكتفي بوجبة سريعة أو ساندويتش محشو بالبطاطس.
فايز العامري، 24 عامًا، طالب من محافظة تعز يدرس في قسم تقنية المعلومات بكلية التربية بريمة. التحق بالكلية قبل أربعة أعوام هو و8 آخرين من ذات المحافظة، لكنه الوحيد الذي تغلب على الصعوبات المختلفة، واستمر في دراسته بدءً من المبنى السابق للكلية في منطقة كبة الشاوش، وانتهاءً بمبنى المعهد الفني في منطقة أبو الضيف.
يقول “فايز”، إنه واجه الكثير من الصعوبات أبرزها نقص الكادر التدريسي في الكلية وتدني خدماتها، والمعاناة التي يعيشها في السكن الطلابي الذي يفتقر إلى الخدمات الضرورية خصوصًا أن الكلية تقع في منطقة حارة محاذية للمناطق التهامية، ينتشر فيها البعوض والحشرات التي تسبب الملاريا وحمى الضنك وغيرها.
ويضيف في حديثه لـ “ريمة بوست”: “لما قالوا لنا بيتم نقل الكلية من كبة الشاوش إلى مركز الجبين، فرحنا واعتقدنا أن وضع الكلية سيتحسن وسنتخلص من المعاناة التي نعيشها في الكلية وفي السكن. لكن للأسف أملنا كله ذهب سدى، لأنه تفاجئنا أننا انتقلنا من منطقة حارة سيئة إلى منطقة نائية أسوأ. وعاد الوضع زاد تدهور”.
ويستطرد، أنه لولا أن الفترة المتبقية له لإكمال مرحلة البكالوريوس لا تتعدى شهور، لكان فضّل الانتقال إلى جامعة أخرى لمواصلة الدراسة، بدلًا من الصعوبات التي يتكبدها في كلية التربية منذ البداية.
على درب المعاناة
لا يختلف الأمر كثيرا لدى زينب محمد، 23 عامًا، إلا أنها من مديرية الجبين، إذ تقول، إنها التحقت بالكلية قبل أربعة أعوام لكن المسافة البعيدة التي تقطعها كل يوم من منزلهم بمركز المديرية وحتى الكلية في منطقة كبة الشاوش، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواصلات نتيجة تردي الوضع الاقتصادي وانقطاع الرواتب، دفعاها للتوقف عن الدراسة بعد ما يقارب شهرين على بدئها.
في حين يقول سامي علي، 29 عامًا، وهو طالب سابق من مديرية مزهر، إنه استمر بالدراسة في الكلية لمدة عامين، ولكن بسبب بُعدها، ووقوعها في منطقة نائية ينتشر فيها البعوض والأمراض، اضطر للنقل إلى جامعة الحديدة.
في السياق ذاته يشير يوسف الخضمي، أمين الكلية سابقًا، إن في العام الأول لافتتاح كلية التربية والعلوم التطبيقية بريمة، كفرع لجامعة الحديدة في ديسمبر 2010م، بمنطقة كبة الشاوش، التحق بها ما يقارب 600 طالب وطالبة، وقد كان للكلية سكن خاص بالطلاب وأخر بالطالبات ويتوفر فيهما كل الخدمات الأساسية، غير أنه مع تدهور الوضع بسبب الحرب في السنوات الأخيرة، تراجع العمل في الكلية إلى حد ما.
ويؤكد في حديثه لـ “ريمة بوست”، إن أكثر ما ساهم في تدهور وضع الكلية حين كانت في الكبة، هو “سوء الإدارة، وقيام الدكتور حمود القليصي عميد الكلية السابق، بالاستغناء عن غالبية هيئة التدريس وتعامله السلبي مع الطلاب بشكل عام.
تدهور مستمر
طلاب كُثر أولئك الذين غادروا مقاعد الدراسة في كلية التربية بريمة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، بعد تدهور وضعها التعليمي والخدماتي، وهو الأمر الذي دفع السلطات المحلية إلى النظر في حلول تساعد في إنعاش الصرح التعليمي الجامعي الوحيد الذي تحصلت عليه ريمة بعد إعلانها محافظة مستقلة عام 2004م.عقب ذلك أقرت نقل الكلية من منطقة كبة الشاوش، إلى مبنى المعهد الفني الواقع في منطقة بني أبو الضيف.
يقول الدكتور حميد الريمي، عميد كلية التربية حاليًا، وأحد أعضاء اللجنة الأكاديمية المكلفة بمعالجة اشكاليات الكلية، إن السلطة المحلية أقرت نقل الكلية دون موافقة رئاسة جامعة الحديدة، ما شكّل حساسية لدى الجامعة وتضارب وجهات النظر، إذ أبدت الجامعة تخليها عن أي مسؤولية تستجد نتيجة قرار النقل، إضافة إلى ذلك فقد رفضت وزارة التعليم الفني اتخاذ مبنى المعهد التابع لها مقرًا للكلية.
ويضيف، أنه رغم وجود مقترحات أخرى تقضي ببقاء كلية التربية في منطقة كبة الشاوش كمقر رئيسي، كون وجودها هناك يتوسط ثلاث مديريات من محافظة ريمة ومثلها من محافظة الحديدة، بالمقابل يتم افتتاح فروع لأقسامها في مركز المحافظة، على أن يخصص مبنى مناسب لذلك غير أن السلطة المحلية أصرّت على نقلها كلّيًا.
وهو الأمر ذاته الذي يراه الأستاذ يوسف الخضمي، إذ يشير إن بقاء الكلية بالكبة أمر مهم جدا خصوصًا أن الموقع يخدم طلاب مديريات عديدة، منوهًا إلى صعوبة وصول الكادر التدريسي إلى منطقة أبو الضيف، في حين أن غالبيتهم يسكنون في مدينة الحديدة ومديرياتها الشرقية.
الأستاذ محمد بلغيث الحيدري، وكيل المحافظة، يقول في حديثه لـ”ريمة بوست”، إن قرار نقل الكلية اتخذ قبل تولي منصبه الحالي، غير أنه يرى أن موقع المعهد الفني في بني أبو الضيف مناسب للكلية، مؤكدًا أن السلطة المحلية تواصلت مع وزارة التعليم الفني بهذا الخصوص واتفقت معها على أساس تقاسم المبنى بين الكلية والمعهد الفني.
ويضيف، أنهم وفّروا قاعات دراسية لطلاب التعليم المستمر (الدبلوم) في مركز المحافظة، ومستعدين للتعاون في افتتاح فروع للكلية في المديريات، مشيرًا في الوقت ذاته أن بالنسبة للخدمات الضرورية في منطقة بني أبو الضيف، ستتوفر في حال إقبال الطلاب على الكلية.
صعوبات شتّى ووعود لم تتحقق
عملت اللجنة الأكاديمية على تقريب وجهات النظر، وعُقد في أغسطس من العام المنصرم 2019م، لقاء تشاوري بصنعاء، ضم القائمين على الكلية والسلطات الحكومية وعدد من التجار القطاع الخاص، بهدف معالجة التحديات واستئناف العملية التعليمية في الكلية، وقد تمخض عن اللقاء عدة حلول، أبرزها الخروج بوعود حكومية وأخرى والقطاع الخاص لدعم الكلية بموارد مالية وبمادة الديزل من أجل استئناف العملية التعليمية، بالإضافة إلى تأهيل السكن الطلابي وتوفير خدمات أساسية للطلاب. يستطرد الدكتور حميد الريمي.
ويؤكد الريمي، في حديثه لـ”ريمة بوست”، أن بعد مرور ما يقارب عام على تلك الوعود، إلا أنها لم تنفذ، إذ ما تزال الكلية تعيش التدهور ذاته، وسط عزوف الطلاب والطالبات عن الالتحاق بها، معللين ذلك بوقوع الكلية في منطقة بعيدة ونائية وعدم وجود أي خدمات أساسية.
وهو ما يشير إليه، فايز العامري، 24 عامًا، طالب في الكلية، إذ يعيش مع زملائه الذين يقارب عددهم 40 طالبا، معاناة كبيرة في السكن الطلابي في منطقة أبو الضيف “يعطونا غرفة نسكن فيها وخلاص! لا فراش. ولا أكل. ولا ماء. ولا يوجد قريب مننا مطاعم أو أسواق. ولا نلقى سيارات عشان نركب ونروح إلى سوق الجبين. ونضطر نمشي ثلاث ساعات على الأقدام عشان نشتري أكل”.
من وجهة نظر أخرى يرى حسن الفلاحي، 32عامًا، إن الحرب وظروفها ساهمت أيضًا في انخفاض نسبة الملتحقين بالتعليم، إذ دفعت غالبية خريجي الثانوية العامة بريمة، إلى ترك التعليم والانخراط في سوق العمل من أجل توفير المتطلبات المعيشية، وهو الأمر ذاته الذي يعاني منه الكادر التعليمي للكلية، حيث يقول إن “معظم هيئة التدريس في كلية التربية تركوا التدريس بينما أصبحت الكلية تعتمد على كادر من المتطوعين”.
وعن عزوف الفتيات عن الدراسة، فيقول سليمان الضبيبي، 42 عامًا، مواطن، إن وجود الكلية في منطقة أبو الضيف، يجعل الكثير من الأسر تعزف عن إلحاق بناتها فيها، نتيجة خوفهم عليهن من المخاطر التي قد يتعرضن لها هناك، بالإضافة إلى صعوبة ذهابهن كل يوم للدراسة إلى هناك مشيرًا أن “مستحيل امضي كل يوم 4 ساعات سفر بسيارة دفع رباعي عبر طرق جبلية وعرة من أجل توصيل ابنتي إلى الكلية”.
مخاوف من إغلاق الكلية!
بعد مرور عشرة أعوام على افتتاح كلية التربية والعلوم التطبيقية بريمة لاستيعاب مخرجات التعليم العام ومواكبة المتطلبات التعليمية التي تحتاجها المحافظة، وبعد انقضاء عام على نقلها إلى منطقة بني أبو الضيف، أصبحت اليوم مهددة بالإغلاق. فمنذ شهرين فتحت باب التسجيل والقبول للعام 2020/2021م، أمام الطلاب والطالبات في جميع أقسامها، ولكن حتى اليوم لم يلتحق بها سوى 13 طالبا وطالبة، وفقًا لعمادة الكلية.
في حين يشير مصدر برئاسة جامعة الحديدة، أن استمرارية عمل الكلية يعود على نسبة الطلاب والطالبات التي تضمهم، وأن انخفاض عدد الطلاب الملتحقين بها يجعل منها غير ذي أهمية لأنها لا تحقق الهدف الذي أنشئت من أجله، وهو ما يمنح الجامعة الحق في اتخاذ قرار إغلاقها.
ويعتقد الدكتور حميد الريمي، أن الحل الأنسب هو نقل الكلية إلى وسط مركز مديرية الجبين، بحيث تقوم السلطات المحلية بتوفير مبنى مناسب بالقرب من وجود الخدمات الأساسية من أجل تشجيع الطلاب والطالبات على الالتحاق بالدراسة، كما يشير إلى أنه يمكن وضع حل للطلاب والطالبات الذين يسكنون في مديريات بعيدة من خلال افتتاح فروع للكلية في مراكز المديريات، ولو بأقل الإمكانيات.
في السياق ذاته، يشير الحيدري، وكيل المحافظة، إن السلطة المحلية غير قادرة على توفير مبنى خاص بأقسام الكلية في مركز المحافظة، بسبب عدم وجود مباني، مؤكدًا أن السلطة المحلية مستعدة للتعاون مع الجامعة لعمل الحلول المناسبة التي تحقق بقاء الكلية واستمرارها.
ويضيف، الحيدري، أن على الجامعة أيضًا القيام بدعم الكلية على الأقل لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، من أجل توفير مستحقات الكادر التدريسي ومساعدة الكلية على الوقوف على أقدامها، إذ أن جامعة الحديدة لم تقدم أي دعم مادي للكلية بالرغم أنها أحد فروعها، حد قوله.
فيما يقول سليمان الضبيبي، ناشط اجتماعي، إن تغاضي الجهات المعنية عن نقل الكلية إلى مكان مناسب علاوة على عدم رفدها بميزانية مالية، قد يتسبب في إغلاقها، وهو ما يمثّل خسارة كبيرة للمحافظة وشبابها الذين يتطلعون إلى تعليم أفضل وعملية تعليمية تلبي طموحاتهم، معتبرًا أمر إغلاقها “وصمة سوداء” على جبين كل الجهات الحكومية والخاصة في المحافظة.
فهل ستجد كلية التربية، الصرح الجامعي الوحيد في ريمة، حقها في الاهتمام والمعالجات من قبل السلطات المعنية أم ستغلق أبوابها كأخر منجز فقدته المحافظة في زمن الحرب؟