وسط شارع فرعي في حي سعوان بالعاصمة صنعاء يقضي محمد عبد الله، المُنحدر من محافظة ريمة، معظم حياته مشردًا خارج المنزل منذُ اربعة أعوام نتيجةً لفقدانهِ السيطرة على نفسه، بعد أن وقع ضحيةً لأعمال السحر والشعوذة التي سببت له نوع من الجنون إذا عاد إلى منزله في القرية، حد اعتقاده.
يقول محمد، 27عامًا: كُلما ابتعدت عن المنزل أو القرية لا تظهر عليّ أعراض السحر؛ ولكن عندما أعود إلى المنزل أشعر بالجنون وتصيبني نوبات الإغماء، وتتضاعف حالتي النفسية بشكل كبير؛ إذا حاولت البقاء في المنزل مقاوماً لمرضي.
يضيف في حديثه لـ”ريمة بوست”: أتذكر في إحدى المرات أُجبرت على البقاء في المنزل، محاولاً مقاومة أعراض السحر فاغمي عليّ، وفقدت السيطرة على نفسي، وقمت بضرب والدي عندما منعني من الخروج خارج المنزل حتى شُج رأسه.
حين عجز “محمد” عن السيطرة على وضعه الصحي، قرر مغادرة المنزل إلى العاصمة صنعاء، وهناك ذهب للعديد من الأطباء لتشخيص حالته ولكن بلا فائدة؛ حتى أنه حاول التداوي بالقرآن الكريم، ولكن لم تتحسن حالته النفسية، ما عزز اعتقاده الإصابة بالسحر، وحال دون استطاعته العودة إلى منزله وأسرته بريمة.
اضطرابات نفسية وأسرية
سامي قايد (اسم مستعار) 23 عامًا، هو الآخر وجد نفسهُ مصابًا بأعراض نفسية واضطرابات سلوكية تلازمه مذ كان طفلاً، إذ لم يكن بمقدوره اللعب وممارسة طفولته بكل تفاصيلها كأقرانه الآخرين، بسبب شعوره الدائم بألم شديد في الرأس مصحوب بدوران، يصل به أحيانًا حد الإغماء.
تلك الأعراض تسببت في حرمانه من النوم الهادئ، ما دفعه لارتياد العديد من المراكز الطبية، ولكن لم يجدي الأمر في علاجه، الأمر الذي جعله يوقن أن ما أصابه هو بسبب السحر.. يقول، أنه لا ينعم بنوم هادئ سوى لساعات قليلة حين يخضع لجلسات التداوي بالقرآن على يد أحد المعالجين بالقرآن، ولكن حالته تتفاقم أحيانًا، إلى درجة حدوث نزيف للدم من فمه بعد النوبات التي تصيبه جرّاء الكوابيس أُثناء النوم.
أما عامر سعد الريمي، 39 عامًا، فيشكو أن السحر تسبب في تمزيق عرى أسرته بعد 18 عامًا من زواجه وعيشه باستقرار مع زوجته وأطفاله، حيث أصيبت زوجته بسحر – حد اعتقاده – لم يعرف مصدره، ما جعلها تفتعل المشاكل والشجار معه لأبسط الأسباب، لينتهي به المطاف بعد محاولات علاجها، البقاء في صنعاء بعيدًا عن أسرته القاطنة في ريمة.
وتنتشر أعمال السحر والشعوذة في اليمن بشكل ملحوظ، فقد أشارت دراسة لمركز الأبحاث والدراسات الاجتماعية اليمني، نشرت عام 2014م، إلى أن ما بين 250 ألفاً و300 ألف مواطن ومواطنة في اليمن يلجؤون إلى السحر والشعوذة وأن 70 في المئة منهم من النساء. وقدرت الدراسة أن حوالى 15 ألف شخص يمارسون أنشطة الدجل والشعوذة في اليمن.
عوامل البقاء وفاعلية الحل
الاعتقادات السائدة والأساطير الشعبية المتداولة في الأرياف والقرى حول قوة السحر وتأثيره، دفعت الكثير من أبناء المجتمع للاعتقاد بأن ما يصيبهم من مرض هو نتيجة لإصابتهم بالسحر لا سيما مع انتشار الجهل وانعدام مراكز الطب الحديث، ما يجعل المشعوذ هو الوجهة الأولى للناس للعلاج من الأمراض تحت مسميات عدّة.
وتتنوع استخدامات السحر والشعوذة، بحسب للعديد من الأهداف التي يود البعض تحقيقها، حيث يعتقد البعض بأن السحر علاج من المس الشيطاني أو وسيلة تساعد في تحقيق الحلم كتقريب الحبيب والزوجة وحل المشكلات العاطفية أو لتحسين مستوى الدخل وغير ذلك، إضافة إلى استخدامه لأذية الأخرين والإضرار بهم وأسرهم.
ولكن بالنسبة للسحرة والمشعوذين، فالأمر لا يختلف، طالما هدفهم فقط التكسب والربح من هذه الطلاسم والخزعبلات من خلال استغلال الناس ومشاكلهم وأحقادهم في ظل الجهل السائد في المجتمع وقلة الوعي بهذه التصرفات الخاطئة تدمر المجتمع وتمزق عراه وتتنافى مع الدين الإسلامي والأخلاق والقوانين.
في السياق ذاته، يوضح القانوني مروان الشاوش لـ”ريمة بوست”، أن القانون اليمني لا يتضمن نصًا واضحًا في التعاطي مع قضايا السحرة والمشعوذين، وأن من ثبت ممارسته للسحر، يُستتاب، وإلا فيقتل، بينما في معظم الحالات، يُعامل الساحر أو المشعوذ معاملة المحتال في حال إلحاق الأضرار المادية بالمواطن.
ويكمن الحل لمواجهة أعمال السحر والشعوذة بحسب مختصين، في وضع تشريع يجرّم هذه الأفعال ويشدد عقوباتها لتمثل رادعًا لكل من تسول له نفسه الانخراط في هذه الأعمال الخاطئة، إلى جانب نشر الوعي بمفاسدها وكشف حقائقها المخفية حول قدراتها وخزعبلاتها التي يستغلها السحرة والمشعوذين للكذب على الناس واستغلالهم.