لم تكن تتوقع الدكتورة حمّودة ذات الـ63عاماً (أوزباكستانية الجنسية) أن شغفها في تقديم الخدمات الطبية للأهالي في مديرية كسمة سينتهي بفعل إصابتها بكسور في عظمة الحوض وعظمة ورك ساقها الأيمن إثر سقوطها في مكان عملها بالمديرية.
في يونيو من العام الماضي 2020م، بدأت الأوزبكية “حمودة”، 63 عامًا، طبيبة نساء وولادة من أوزبكستان؛ العمل لدى جمعية الهلال الأحمر اليمني كأخصائية نساء وولادة في مركز الأمومة والطفولة بمنطقة العنقب بمديرية كسمة، إلا أنها تعرضت في مارس الماضي من هذا العام للسقوط أثناء نزولها من السكن، ما تسبب بإصابة ساقها وتوقفها عن تقديم الخدمات الصحية والطبية للمجتمع الذي ربطتها به علاقة طيبة ومميزة رغم قصر المدة الزمنية التي قضتها هناك.
تضحية وعطاء
بعد يوم مرهق عادت الدكتورة “حمودة” إلى سكنها القريب من مركز الأمومة والطفولة بمنطقة العنقب بكسمة، لكن ذلك لم يجعلها تتكاسل عن القيام بعملها الإنساني – حد قولها – حين وصلت إحدى الحالات المرضية (حالة ولادة) إلى المركز، حيث هرعت بالنزول من السكن والساعة ما يقارب السابعة مساءً، ما تسبب بسقوطها على الأرض وتعرضها لإصابة في ساقها لم تشعر بها آنذاك، بل واصلت عملها في علاج الحالة التي وصلت.
لم تمر سوى أيام قليلة، حتى شعرت الدكتورة “حمودة” بالألم يتضاعف أعلى ساقها الأيمن، غير أنها لم تتوقف عن العمل في خدمة الحالات المرضية في المركز إلا حين وصل الألم حد عجزها عن الوقوف على رجليها. فأسعفت في 8 مارس 2021م إلى صنعاء لتلقي العلاج. “كنت أعمل كثير وبسبب ضغط الشغل كنت أعمل بدون احتياط وحذر.. سقطت وكسرت رجلي.. الحمد لله مكتوب”. تقول الدكتورة “حمودة”.
تضيف “حمودة” في حديثها لـ”ريمة بوست” أن الفحوصات كشفت أنها أصيبت بكسر في عظمة الورك في ساقها الأيمن، ما دفع الدكاترة بصنعاء لإجراء عملية جراحية لتثبيت عظمة الورك لربط الساق بالحوض، وما إن مرت ما يقارب عشرون يومًا على إجراء العملية، حتى عادت الدكتورة إلى ريمة لمواصلة عملها رغم تنبيه الجهات الطبية على ضرورة أخذها قسطًا من الراحة حتى تتماثل للشفاء.
وتبرر الدكتورة عودتها السريعة لممارسة العمل رغم أنها لم تتماثل للشفاء بعد، قائلة: “كثير من المرضى والحالات كانوا يتصلوا لي لأنهم بحاجة للعلاج وينتظرون عودتي. لم أستطع تركهم لأنهم يعانون في مناطق جبلية صعبة، ليس هناك مستشفيات. وأنا أعمل على تقديم العلاج المجاني الذي يقدمه الهلال الأحمر. وأحب أشتغل من قلبي”.
بعد عودتها للعمل تعرضت الدكتورة “حمودة” لسقوط آخر داخل السكن، ما تسبب بإصابتها مرة أخرى، حيث تعرضت عظمة الحوض (الهلال الذي تم تثبيت عظمة الورك فيه) لكسر، أدى إلى مضاعفة إصابتها ومعاناتها، فأجري لها عملية ثانية، لزراعة هلال صناعي في الحوض يتم من خلاله تثبيت المفصل الصناعي الذي يربط الساق بالحوض، لكن الدكاترة هذه المرة أخبروها بضرورة البقاء لستة أشهر دون حركة تؤثر في صحتها. تستطرد “حمودة”.
إيثار مجتمعي
كان خبر بقاء الدكتورة “حمودة” لستة أشهر تحت الرعاية الصحية، مبعث حزنٍ بالنسبة لها، وهي التي أحبت العمل في ريمة، وانسجمت مع الأهالي وأصبحت واحدة منهم، حيث تعبر عن حزنها الكبير بعد هذا القرار، الذي أجهض أملها بالعودة إلى ريمة خلال فترة قصيرة.
تقول: “للأسف الدكتور قال لازم أرتاح ستة أشهر، لكني أريد العودة للعمل في ريمة لأن هناك الكثير من الأمراض الذين يحتاجون إلى المساعدة، ولأني دكتورة وعملي إنساني فضروري أن أساعدهم لأن مهمتي أن أخدم الناس وأتحلى بالإنسانية كوني وجه الهلال الأحمر هناك”.
وتردف: “أنا عملت وعشت في اليمن لأكثر من 13 عامًا، لكن أحسن مكان عملت فيه هو محافظة ريمة. إنها جنة طبيعية، الخضرة والشلالات المائية، الجو مناسب وجميل، الناس طيبين كثيرا، وأحترمهم بشكل كبير لأنهم وقفوا معي”.
ولا تخفي أن العديد من أبناء المجتمع سواء نساء أو رجال، ما زالوا يتواصلون بها للاطمئنان على صحتها، فيما البعض تكبد وعثاء السفر إلى صنعاء من أجل زيارتها، ومساعدتها والوقوف معها في ظل ظروفها الصحية الصعبة.
اهتمام متبادل
وبالرغم من التقصير والاهمال الذي لاقته من المركز الرئيسي للهلال الأحمر اليمني بصنعاء، تشير “حمودة” إلى الجهود التي قام فرع الهلال بريمة، إذ تواصل حديثها: “إدارة وموظفي ومتطوعي فرع الهلال الأحمر بريمة، هم من وقف معي منذ البداية وأهتموا بصحتي وساعدوني في كل شيء. لذلك أتمنى أرجع أشتغل في ريمة لكن الدكتور قال ضروري أرتاح”.
المكانة التي احتلتها الدكتور “حمودة” في قلوب كل من عرفها، ترجمها الاهتمام الكبير الذي أبداه موظفو ومتطوعو فرع الهلال الأحمر بريمة، حيث تناوبت ثلاث نساء من متطوعي الفرع، على الاهتمام بصحة الدكتورة وتقديم الرعاية لها منذ إجراء العملية الجراحية الأولى، إضافة إلى البقاء والسكن معها خلال فترة مرضها، بعد أن أصبحت غير قادرة على المشي والحركة.
في ختام حديثها، تقول الدكتورة “حمودة” أن صحتها تحتاج إلى التوقف على العمل، لذا فهي مضطرة للعودة إلى دولتها لقضاء فترة المرض وسط أسرتها حتى تتعافى ساقها وتستطيع الوقوف عليها. وتستطرد أنها في حال عودتها إلى اليمن ستحاول العودة للعمل في ريمة. “إن شاء الله إذا في نصيب سأعود للعمل في ريمة، لأني أحببت العمل هناك”.