“فقدت طفلي الذي انتظرته لأعوام، وعجزنا عن إنقاذه بسبب وعورة الطريق وبعد المستشفيات من قريتنا.” بهذه الكلمات تصف فاطمة، البالغة من العمر 27 عامًا، من مديرية السلفية بمحافظة ريمة غربي اليمن، حالها بعد فقدان طفلها قبل أن تصل إلى المستشفى القريب من قريتها، نتيجة وعورة الطرق.
بعد سبع سنوات من زفافها، حملت فاطمة بطفلها الأول. وقبل أسابيع، أنجبت ولدًا، لكن فرحتها لم تكتمل. بعد الولادة، تعرضت لمضاعفات، وكان مولودها بحاجة إلى العناية الصحية. تتحدث عن معاناتها وتقول: “بسبب مضاعفات الولادة، اضطر زوجي إلى نقلي إلى المستشفى فوق أكتاف رجال بسبب انقطاع الطريق بفعل الأمطار الغزيرة. لم نستطع الوصول في الوقت المناسب، وكان ذلك السبب لوفاة المولود.”
كانت الأمطار التي شهدتها محافظة ريمة في شهر أغسطس سببًا لتدمير العديد من الطرقات في المحافظة، وتسببت بحرمان المواطنين من الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، وارتفعت أسعار المواد الغذائية نظرًا لصعوبة وصولها إلى القرى الجبلية.
وخلال شهر أغسطس من عام 2024، أدت الأمطار الغزيرة وتدفق السيول إلى وفاة 6 أشخاص، وتدمير أكثر من 430 منزلًا ضمن 140 قرية و56 عزلة بمديريات المحافظة. كما أدى ذلك إلى انقطاع 45 طريقًا فرعية ورئيسية، وفقُا لتقرير صادر عن بلاغ مركز الإعلام في المحافظة.
تتميز محافظة ريمة بطبيعتها الوعرة وجبالها الشاهقة، حيث تقع وسط سلسلة الجبال الغربية بين درجتي (14.36 و14.88) شمالًا، وبين درجتي (43.50 و44) شرقًا، وتبعد حوالي 200 كيلومتر عن العاصمة صنعاء.
لا تزال الطرق الفرعية والوعرة مهددة بتساقط الصخور وتهدم الجدران الساندة، الأمر الذس سيفاقم معاناة السكان في المناطق الجبلية في ريمة.
السقوط من الجبل
تعرض الشاب العشريني عبد الله فارع، المنحدر من عزلة يفعان بمديرية السلفية في محافظة ريمة، للسقوط من قمة الجبل المتاخم لقريته “الكديد” أثناء رعيه للمواشي. حدث سقوطه عقب أيام من الأمطار الغزيرة التي تسببت في انهيار الطرق الترابية الفرعية التي أنشأها المواطنون عبر مبادرات مجتمعية، والتي تتأثر سريعًا بالأمطار والسيول.
بعد حادثة السقوط، عجز والد عبد الله عن نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، بسبب انقطاع الطريق بين قريته الكديد والخط الرئيس الواصل إلى مركز المديرية، الذي يبعد حوالي 5 كيلومترات عن القرية، حيث يوجد أقرب مركز صحي.
يعبّر والد عبد الله عن حزنه العميق لما حدث لابنه، ويقول لـ”المشاهد”: “فقدت ولدي البكر الذي كنت اعتمد عليه كثيرًا في هذه الحياة، وكنا نظر إليه يتألم ويقترب من الموت، ولم نستطع إنقاذه في الوقت المناسب ونقله إلى المستشفى. كانت الطريق مقطوعة ومدمرة بسبب السيول والأمطار.”
ورغم المبادرات المجتمعية الكثيرة التي شهدتها المحافظة خلال السنوات الماضية لرصف الطرق وإصلاحها، والتي بلغت بنهاية عام 2023 أكثر من 261 مبادرة بتكلفة تجاوزت 20 مليارًا و357 مليون ريال يمني، وفقًا لمكتب الأشغال العامة والطرقات في ريمة، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لمواجهة التغيرات المناخية.
لا تزال الطرق الفرعية والوعرة مهددة بتساقط الصخور وتهدم الجدران الساندة، الأمر الذي سيفاقم معاناة السكان في المناطق الجبلية في المحافظة.
في أغسطس، ناقش اجتماع بمحافظة ريمة برئاسة رئيس اللجنة الرئاسية لمواجهة أضرار السيول الدكتور حسين مقبولي، معالجة الأضرار التي خلفتها السيول بالمحافظة، وأشار إلى مساهمة الدفاع المدني في المحافظة بمبلغ 20 مليون ريال، بالإضافة إلى مساهمة وتدخلات صندوق صيانة الطرق بمبلغ 100 مليون ريال لمواجهة الكوارث الطارئة بالمحافظة، حسب مكتب إعلام محافظة ريمة.
الحمير أو المشي على الأقدام
يقول خالد الشاوش، أحد سائقي السيارات في مديرية السلفية، لـ “المشاهد”: “تزيد معاناة سائقي السيارات في موسم الأمطار الغزيرة نتيجة المنحدرات والمنعطفات الخطيرة، حيث يترك السائقون السيارات لأسابيع، ويضطر السكان إلى استخدام الحمير أو المشي على الأقدام لساعات لجلب احتياجاتهم أو الحصول على الخدمات الأخرى”.
ويضيف الشاوش: “نقضي وقتًا طويلًا أثناء السفر من القرى إلى الأسواق، التي تبعد لمسافات قد تصل إلى 40 كيلومترًا أو أكثر في بعض المناطق. هذه الطرق الوعرة تجعل السيارات الصغيرة غير قادرة على السير، ويضطر الركاب إلى النزول من السيارة في معظم مراحل الرحلة لتجنب المخاطر. المنحدرات والمنعطفات الخطيرة قد تودي بحياة الركاب إذا حدث أي خطأ بسيط من السائق أو خلل في السيارة”.
ويشير الشاوش إلى معاناة المرضى الذين يتأخرون عن الوصول إلى المستشفيات بسبب وعورة الطرق أو خرابها بفعل الأمطار. ترتفع تكاليف النقل بشكل كبير، حيث تصل أحيانًا إلى 50,000 ريال يمني (ما يعادل 100 دولار أمريكي) أو أكثر للوصول إلى المشافي في بعض المناطق.
وفي عام 2021، شهدت المحافظة حوادث مرورية مؤلمة تسببت في وفاة 40 شخصًا وإصابة 160 آخرين في مختلف المديريات، وفقًا للعقيد معين الحباري، مدير إدارة المرور في المحافظة. وتضمنت الحوادث 35 حادث صدام آليات، 6 حوادث صدام دراجات نارية، 21 حادث انقلاب، 9 حوادث دهس، 6 حوادث سقوط. وأسفرت تلك الحوادث عن خسائر مادية بلغت 22 مليونًا و241 ألف ريال يمني.
حلول مقترحة
يرى الدكتور عمار الشبلي، أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، يقول لـ “المشاهد” إن هناك العديد من الحلول الممكنة لمواجهة التغيرات المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على شبكة الطرقات، منها تصريف مياه السيول بشكل مناسب، وإنشاء أنظمة فعّالة لتصريف المياه لتجنب تجمعها على الطرق والتسبب في تلفها، بالإضافة إلى بناء جدران ساندة لتعزيز الطرق بجدران ساندة لمنع الانهيارات الأرضية الناتجة عن السيول والأمطار الغزيرة.
يؤكد الشبلي على أهمية استخدام مواد متينة وعالية الجودة لتحمل الظروف المناخية القاسية، وزراعة الأشجار على جانبي الطرق لأنها تسهم في تثبيت التربة والحد من التعرية الناتجة عن الأمطار والرياح، وتصميم برامج صيانة للطرق تتماشى مع أنماط هطول الأمطار وتغيرات المناخ.
يختم حديثه، ويقول: “لا بد من رفع مستوى وعي المجتمع بمخاطر تغير المناخ وكيفية حماية الطرقات، ويجب أن يكون هناك تكاتف بين الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص لبناء بنية تحتية للطرق أكثر مقاومة للتغيرات المناخية، بما يضمن سلامة التنقل، وتقليل الخسائر البشرية والمادية.”
المصدر: المشاهد نت | الصور منقولة من منشور صفحة ريمة21 فيس بوك