“طبيبة أسنان” الاسم الذي تمنّت وطمحت رباب أن تُدعى به ذات يوم، ومن أجل ذلك الطموح، ثابرت رباب جرفان (22 عامًا) واجتهدت خلال دراستها الثانوية للحصول على نسبةٍ تؤهلها للالتحاق بكلية طب الأسنان رغم شعور الحيرة التي كان يتملكها أحيانًا، بسبب عدم وجود هذا التخصص الجامعي في محافظة ريمة.
بعد استكمال المرحلة الدراسية الثانوية عام 2018م، بدأت رباب في التفكير في تحقيق حلمها “كلية طب الأسنان” ولكن بدا الأمر صعبًا بالنسبة لها، وهي التي تقطن في مديرية الجبين، حيث لا جامعة متخصصة ولا معهد مرموق يمكن أن تبدأ منه مشوارها، إضافة إلى صعوبة انتقالها للدراسة في العاصمة صنعاء، إذ ليس أهل لها هناك يمكن أن تسكن لديهم بينما تلتحق بالجامعة.
في حديثها لـ”ريمة بوست” تقول رباب: عملت بجهد كبير في الثانوية للحصول على درجة ممتازة تتيح لي دخول التخصص الذي طالما تمنيته، ولكن عدم وجود أحد من أقربائي في صنعاء كان هو العائق امامي للسفر والدراسة في ظل وجود العادات والتقاليد التي تحكمنا وتلزم علينا التحرك والسفر بوجود المحرم، ولم أستطع حتى التفكير بالدخول في سكن جامعي.
حين ضاقت الخيارات، لم يكن أمام رباب إلا الالتحاق بكلية التربية والتعليم الواقعة في منطقة الكبة بريمة، وهي الجامعة الوحيدة.. “اضطررت أن أبقى في ريمة والالتحاق بكلية التربية والتعليم الذي كانت في منطقة الكبة والذي تبعد عني ما يقارب ساعتين ونصف، وبالفعل كان الأمر صعب بنسبة لي أن اقضي نصف يومي الدراسي في الطريق للوصول والعودة”. تضيف رباب.
خيارات محدودة
بعد فترة من التحاقها بكلية التربية قسم المختبرات، تفاجأت رباب بقرار نقل الكلية من منطقة الكبة إلى من أبو الضيف بالجبين، وهناك بدأت الدوام، لتواجه العديد من الصعوبات، أبرزها قلة الكادر التعليمي المؤهل، ووقوع الكلية في منطقة بعيدة عن التجمعات السكانية ووعورة الطريق الموصلة إليها، الأمر الذي كان يدفعها لإغلاق عينيها خوفًا من رؤية الطريق الوعرة المحاطة بالمخاطر.
كانت رباب واحدة من بضعة طالبات واصلن دراستهن الجامعية في كلية التربية ريمة، رغم كل المعوقات التي تواجههن، إذ كانت تضطر رباب في بعض الأحيان أثناء انعدام المشتقات النفطية، للسفر تحت أشعة الشمس مشيًا على الأقدام لما يزيد عن خمس ساعات ذهابًا وإيابًا، الأمر الذي ينعكس على مستوى تلقيها للمعلومة بعد هذه المعاناة اليومية.
وبالرغم من الصعوبات التي تواجهها رباب إلا أنها ما تزال مصرّة على مواصلة الدراسة، وهو قرار أفضل بكثير عن القرار الذي اتخذته الشابة “حواء محمد” 26 عامًا، بتوقفها عن الدراسة إثر مواجهتها صعوبات مماثلة، بعدما بدأت الدراسة في 2015م بكلية التربية والعلوم التطبيقية، التي كان مقرّها آنذاك في منطقة الكبة المحاذية للمناطق التهامية.
تقول حواء في حديثها لـ”ريمة بوست” إنها التحقت بالدراسة في كلية التربية والتعليم عام 2015م، غير أنه لم يمر على دراستها سوى أسبوعًا واحدًا لتقرر التوقف، نتيجة مشقة الطريق وبعد المسافة بين منزلها والكلية، حيث كانت تضطر للمشي لخمس ساعات ذهابًا وإيابًا كل يوم، إضافة إلى حرارة الجو هناك، لتتخلى عن حلمها بعد أن ظلت ترسمه لسنوات.
“فكرت حتى في أن آخذ لي سكن جامعي ولكن البيئة المناخية والمكان الذي توجد به الجامعة غير مناسب اطلاقًا فالمنطقة معزولة ولا يوجد فيها خدمات معيشية. فأجبرني الوضع أن أجلس في المنزل رغم تفوقي الدراسي، هذا جهد ومشقة وعناء بسببه لم أكمل تعليمي ولم أحقق أحلامي بالدراسة والوظيفة ولم يعد لي مستقبل أحلم به وكان لذلك تأثير كبير على نفسيتي وعلى مستقبلي المهني”، تتابع حديثها.
8 طالبات في صرح جامعي وحيد
رباب وحواء، نماذج حيّة تعرضان ما تعانيه الفتيات في مختلف مديريات ريمة من حرمان من الالتحاق بالتعليم الجامعي، نتيجة جملة من الصعوبات التي تحول دون ذلك، أهمها صعوبة الوصول إلى الصرح الجامعي الوحيد في المحافظة “كلية التربية” سواء حين كانت في منطقة الكبة النائية أو حتى بعد نقلها إلى منطقة أبو الضيف بالجبين، في ظل مخاوف الأهالي على الفتيات من الذهاب لمسافات بعيدة بمفردهن، بحسب (أ.ج) 27 عامًا، طالبة جامعية.
تضيف لـ”ريمة بوست” أنها لم تستطع الالتحاق بكلية التربية بريمة عام 2011م، بسبب رفض أهلها ذهابها لمسافة بعيدة بمفردها، لا سيما خلال تلك الفترة التي كان للفتيات فيها حضورًا ضعيفًا في الكلية، لتضطر وقتها للسفر إلى صنعاء للدراسة والبقاء في بيت عمها. وبعد أن أكملت عامين دراسيين، اندلع فتيل الصراع فأجبرت على العودة إلى ريمة حاملة حلمٍ لم يكتمل، حتى الآن.
“كانت فترة صعبة جدًا بالنسبة لي. أثّرت على نفسيتي وأشعرتني بالإحباط وأن كل جهودي ذهبت بدون أي فايدة. بكيت كثيرًا ودخلت في مرحلة اكتئاب. أندب حظي ومحافظتي الخالية من الجامعات التي لو كانت موجودة لما حدث كل هذا مستقبلي الذي كنت أحلم به وأخطط له. احلامي وجهدي كله أصبح هباءً منثورًا” تردف (أ.ج).
تسببت تلك الصعوبات التي تلاقيها الفتيات بريمة، في حرمان المئات منهن من الحصول على التعليم الجامعي خلال السنوات الماضية، رغم ارتفاع نسبة خريجات المرحلة الثانوية العامة في مختلف مديريات المحافظة، ما يؤكد اتساع الفجوة بين أعداد الخريجات من الثانوية العامة ونسبة الملتحقات للدراسة في الكلية الوحيدة في المحافظة.
وبالرغم من زيادة إقبال الفتيات تدريجيًا على كلية التربية والعلوم التطبيقية بريمة بعد افتتاحها عام 2010م، ووصول عدد الملتحقات بها عام 2013/2014م، إلى 75 طالبة في مختلف التخصصات إلا أنها تراجعت إلى مستويات ضعيفة خلال الست السنوات الأخيرة نتيجة ظروف الحرب وتحدياتها المختلفة، ليصل عدد الملتحقات بالكلية هذا العام 2021/2022 بعد نقلها إلى بني أبو الضيف؛ إلى 8 طالبات فقط في مختلف التخصصات.
طالبات بلا جامعات
إلى ذلك، ترجع الأستاذة سامية الضبيبي، مديرة إدارة تعليم الفتاة بمكتب التربية، انخفاض الملتحقات بالتعليم الجامعي، إلى جزء من العادات والتقاليد المجتمعية بريمة، إضافة إلى عدم وجود مؤسسات تعليمية جامعية في المحافظة، قريبة من المناطق السكنية في بيئة مناسبة تشجّع الفتيات على الالتحاق بالدراسة لا سيما المعاهد التعليمية والكليات المتخصصة.
وتضيف الضبيبي، أن هناك أسباب أخرى ترتبط بالمستوى الاقتصادي للأسر في ريمة، حيث تضطر العديد منها لوقف الفتيات عن مواصلة الدراسة بشكل عام نتيجة تدني دخلها المادي وعدم قدرتها على تحمل تكاليف الدراسة، إلى جانب بعد المسافة إلى كلية التربية من المديريات الأخرى.
وتشير الضبيبي في حديثها لـ”ريمة بوست”، إلى أن مشكلة تسرب الفتيات من التعليم تبدأ من المراحل الأساسية والثانوية، لتصل الفجوة بين الذكور والإنسان خلال تلك المرحلة إلى 37%، لتزداد اتساعًا في المرحلة الجامعية، فلا تحصل على التعليم الجامعي سوى عدد قليل من الفتيات.
وتبيّن إحصائيات حصلت عليها منصة “ريمة بوست” أن إجمالي خريجات الثانوية العامة بريمة عام 2015م، بلغ 1078 طالبة من مختلف مديريات، في حين بلغ عدد الملتحقات بكلية التربية والعلوم التطبيقية في نفس العام، 25 طالبة في مختلف التخصصات، كما بلغ إجمالي خريجات الثانوية عام 2016م، 1042 طالبة، مقارنة بـ 34 طالبة التحقت بالكلية في مختلف التخصصات ذات العام، وفق احصائيات رسمية.
التعليم حق منسي
في السياق ذاته، تقول الحقوقية، راحيل المرزوقي، إن حق الفتيات والنساء في اكمال تعليمهن ليس تحضيرًا للحياة بل هو الحياة نفسها، فالتعليم حق من حقوق الفتيات الذي كفله الدستور اليمني بعد صدور القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992 في القانون اليمني، والذي يعتبر التعليم حقًا مكفولاً لكل أفراد المجتمع اليمني.
وتضيف المرزوقي لـ”ريمة بوست”: ولكن هناك إحصائيات تشير إلى عدم المساواة بين الجنسين في الحصول على التعليم، وأن نسبة التحاق الفتيات أقل بكثير من التحاق الفتيان، ومن أسباب ذلك عدم وجود مؤسسات تعليمية تلبي احتياجات الفتيات. موضحةً أن هذا يتسبب بظلم الفتيات وسلب حقهم في إكمال تعليمهن الجامعي حتى وإن كن راغبات في مواصلة الدراسة.
ولعدم استكمال دراستهن الجامعية، تحرم معظم فتيات ريمة من فرص العمل والتوظيف ما يؤثر على مستواهن الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية ضمان حصولهن على حق التعليم عالي من خلال بناء كليات وجامعات في ريمة أسوة بالمحافظات الأخرى، لما يعزز حقوقهن التعليمية وتحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في حصول الجميع على التعليم، بحسب المرزوقي.
إلى ذلك، يرى الناشط معاذ الذاري، أن ضعف مؤسسات التعليم العالي (كلية التربية والعلوم التطبيقية) بريمة وعدم قدرتها على احتواء مخرجات الثانوية العامة خصوصًا في صفوف الفتيات، أمرًا مهمًا يتطلب الوقوف عليه من الجهات المعنية للبحث عن حلول تساهم في تعزيز حق المرأة الريمية في الحصول على التعليم الجامعي.
*أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.