مساء الأحد 15 مارس من العام المنصرم 2020م، كان الظلام باسط جناحيه والهدوء يخيم على منطقة بكال بمديرية مزهر في ريمة، لكن فجأة! تبدد الهدوء بتعالي صراخ وبكاء “أشواق” إثر تعرضها للضرب المبرح من قبل زوجها الذي أتبع اعتداؤه عليها بطردها من المنزل في ذلك الوقت، بعد أن أخذ طفلتها “آية” ذات الخمسة أعوام، والتي انتهى بها الحال – بعد أيام قليلة – جثة هامدة على يد جدتها من أبيها.
بنفسية متعبة وجسد هزيل هدّته فاجعة مقتل طفلتها، تجثو “أشواق عبد الكريم” 35 عامًا، وهي من محافظة تعز؛ على ركبتيها وتسند ظهرها إلى جدار الغرفة، لتروي تفاصيل معاناتها وتعنيفها هي وابنتها من قبل زوجها وبعض أٌقاربه، غير أن أكثر ما يؤلمها هو فراق طفلتها التي قتلت دونما ذنب، في حادثة عمدية تكاد أشبه بقصة خيالية أبطالها لا يمتون للإنسانية بصلة، حد وصفها.
بعد تعرضها للضرب في ذلك المساء، خرجت “أشواق” إلى جوار المنزل في قرية جبلية نائية، لا أسرة تأويها ولا قريب يقف في محنتها، غير أن أحد الجيران حين سمع الجلبة اقترب ليفهم ما يجري، فوجد أشواق ملقاة على الأرض جوار باب المنزل في حين ما يزال زوجها “س-أ” يصرخ بأنه لا يريدها في منزله. حينها ما كان من الجار “م-ع” إلا أن أبلغ أسرتها وأخذها إلى منزله، ليأويها لدى أسرته إلى حين قدوم أحد أقاربها الذين يسكنون في صنعاء.
انتظار المصير
أُبلغت الجهات الأمنية بحادثة تعرض “أشواق” للاعتداء وتعرض طفلتها أيضًا للضرب والتعنيف، فقاموا بسجن الزوج، لكن مسلسل التعنيف الذي تعيشه الطفلة آية لم يتوقف، إذ ما تزال تتعرض للضرب والتعذيب على يد جدتها من أبيها وزوجة عمها، بإيعاز من والدها الذي كان رده الدائم على أشواق كلما طالبت بأخذ الطفلة “ما شجيب لك آية، بقتلها ولا بجيب لك هي”، لكنها لم تتوقع أن يصبح هذا التهديد المجازي حد اعتقادها واقعًا حقيقيًا.
غير أن ما كان يبدد قلقها قليلاً هو أن أسرتها اتفقت مع زوجها بعد تدخل وساطات اجتماعية، على أن يتم تطليقها في اليوم التالي أي الثلاثاء 17 مارس، وتأخذ طفلتها مقابل أن تتنازل عن كل ما حدث لها، ولا يتكفل الزوج بأي نفقات على الطفلة ما دامت في حضانتها، فظلت تنتظر على أمل أخذ طفلتها في اليوم التالي ولتنقذها من الظلم الذي تعيشه، كما تقول.
صدمة الأم
من نافذة المنزل كانت “أشواق” تتلصص لترى طفلتها “آية” أو لتسمع صوتها لتطمئن أنها ما زالت بخير، لكن صوتًا لم يسمع، حينها تساءلت “اشواق” عن مصير ابنتها خصوصًا أنها تنتظر أخذ طفلتها في نفي اليوم. بصوت يملأه القلق سألت جارهم الذي آواها “يا (م_ع) مدري وينها بنتي أنا اليوم ما أسمع صوتها، بنتي يعلم الله ويني”. حينها لم يكن لدى محمد جوابًا لتساؤلها، ولكن بعدها وجد الجواب بنفسه، إذ تلقى قبيل المغرب اتصالا من أسرة الزوج والد آية، يفيد أن “آية يمكن تعيش ويمكن لا”، لكنه لم يخبرها بذلك.
كانت شمس يوم الثلاثاء تتجه نحو الزوال، حين ذهبت “أشواق” برفقة “م-ع” إلى الجهات الأمنية في مركز المحافظة الجبين، وهناك أخذ المحقق أقوالها بشأن ما حدث لها، وحين سألت عن طفلتها أخبرها المحقق بأنها تلعب مع أطفاله. تستطرد أشواق: “وبعدها شلوني للمحكمة الثانية، وصلنا أجيتو وأبو آية كان بالغرفة مع الناس هناك، سألني المحقق من هو ولي أمرك قلتو له ولي أمري هذا الرجال تشيرلـ(م-ع). قال لي لا، ولي أمرك هو زوجك، قلت له مش زوجي أصلا طلقني”.
تواصل أشواق حديثها، والدموع تملأ عينيها والغصة تمتزج بكلامها: “قال لي المحقق لو قلت لك الحمامة حقك ماتت، ما فهمت. فقال لي بنتك ماتت، وقتها كنت مثل المجنون ولا عاد دريت ايش قلت”. تستذكر ابنتها “آية” التي قتلت ظلمًا والألم يعتصر قلبها “كانت البنت تقل لي يا ماما اجلسي جنبي، يا ماما لا تسيبينيش، يا ماما شقتلوني، كانت من نفسه البنت تهادرني، البنت قدي تفهم”.
هكذا بدأت القصة!
على مدى ست سنوات كانت “أشواق” تتعرض للتعنيف المستمر من قبل زوجها وأقاربه، غير أن تمسكها الشديد بابنتها دفعها على الصبر على الحياة القاسية التي عاشتها في منزل زوجها بعزلة مسور بريمة، بحسب والدتها الخمسينية منى قايد التي تقول “المشكلة طويلة عريضة، بنتي ما عاد تقدرش تمشي من كثرة ما كان يضربها، ما تقدرش تقوم من ضهرها وجع، شجعل له وجع يوجعه ويوجع أهله، الله ينتقمه”.
“في البداية نزلنا إلى عنده (تقصد زوج أشواق) إلى البلاد، فأغلق التلفون حقه ولا رد علينا، سرحنا وجلسنا بالحديدة يومين وهو ولا يرد علينا، بعدها كنّا نعرف واحد اسمه قاسم الريمي تواصلنا به فقال لنا خلاص سافروا إلى ريمة وأبي بيلاقيكم بالبلاد، سرحنا ووصلنا الساعة 1 بالليل، وهناك لاقانا أبو قاسم الريمي، وفتحوا لنا بيتهم، لما اليوم الثاني. رجعوا استحوا فأتى أخو “س.أ”زوج أشواق، عادو استحى، فرحنا لعندهم وصلنا وشفنا البنت أشواق وقدها مجنونة من كثرة ما يعاملوها كلهم، وكل شيء في يد زوجة شقيق س”. تضيف.
حينها كان وضع “أشواق” النفسي والصحي مأساويًا، بحسب والدتها، الأمر الذي جعلهم يقررون أخذها معهم إلى تعز لمعالجتها “قلت لهم خلاص أنا بشل بنتي وأعالجها قدها مريض، ولا يدوها لها شيء، حتى الحبة الاسبرين ما يعطوها لها، قلت لزوجها نشتي البنت الصغيرة، فقال لا، لكن في وجهي عشرين يوم وأديها بعدك، سافرنا وأشواق معنا لكن زوجها خلف وعده وكذب علينا ولم يجلب آية بعدنا”.
تواصل الأم حديثها وتصف حالة ابنتها أشواق “بنتي بقيت مثل المجنون على بنتها، تواصلنا به (تقصد س زوج أشواق) قلنا له يدي البنت (آية) ويطلق واحنا بندفع له مليون وخمس مئة ألف، فقال لا”. وهو ذات الأمر الذي توضحه أشواق، إذ تقول: “كنت اتصل بزوجي ولا يرد عليا، كنت اتصل ولا يرد، ومرة من المرات جاوبتني زوجة أخوه، وقالت لي انتي سيبتي زوجك ومشيتي انتي فلتي زوجك وهربتي”.
“أجيت وقد شعرها محلوق وقد اصبعها مقصوص، سألتها له ليش هكذا يدك، قالت يا ماما ابن عمي أغلق الباب على يدي، قالت لي كنت امشي ويدي ينزل منها الدم ولا أحد عالجها، كانت تقل لي يا ماما. بابا يعالج عمتي ولا يعالجني”
قلق “أشواق” وأسرتها على مصير الطفلة آية، دفعهم للتعاطف، حتى اضطر شقيقها لإعادتها إلى منزل زوجها في ريمة، ولكن عند وصولهم، كانت الحالة التي تعيشها الطفلة مؤسفة تشير أشواق “أجيت وقد شعرها محلوق وقد اصبعها مقصوص، سألتها له ليش هكذا يدك، قالت يا ماما ابن عمي غلق الباب على يدي، قالت لي كنت امشي ويدي ينزل منها الدم ولا أحد عالجها، كانت تقل لي يا ماما – بابا يعالج عمتي ولا يعالجني”
حينها أرادت أشواق أخذ ابنتها، لكنها كانت تقابل برفض زوجها وأمه وزوجة شقيقة، كما تتعرض للتعنيف باستمرار، فلا تحصل على أبسط احتياجات المأكل والمشرب إلا بعد أن تتعرض للإهانة من قبلهم، بتعييرها بقولهم “رجعتي لعند الشنابل حقنا، المهم اكه عملوا بي، (تشير إلى مستوى الإهانة)”، حد قولها.
لم يتوقف الوضع عند هذا الحد، بل إن الطفلة آية كانت هي الأخرى تتعرض للضرب المستمر من قبلهم، ومتى دافعت عنها والدتها “كانت عمة آية تضربها باستمرار أمامي بالصندل حق الحمام، كنت أقول له ليش تضربي بنتي، تقول لي. ما لكش دخل هذه بنتي، كنت أقوله له. كيف بنتك هذه بنتي وأنا تحملت الضرب وكل شيء عشانها، قالوا نقتله ولا نجيبها لك”. وهي ذات العبارة التي كانت تقولها جدتها أيضًا “عمتي قالت نرجم به في الخزان ولا نجيبها لك، كنت أقول له (للزوج) ليش تعملوا كذا ببنتي يقول لي تتأدب، وليش لما تتأدب”.
قتلت “آية” ولم ينصفها القانون
لم تكن تلك العبارات مجرد تهديدات بل أثبتت الأيام مدى إجرام الأسرة بحق طفلة لم يكن ذنبها سوى أن حقد والدها وأسرته أعمت قلوبهم وعقولهم حد وصف الأم، حيث تعرضت للتعذيب حتى الموت يوم الثلاثاء 17 مارس 2020م، لكنهم أنكروا ذلك بعد أن وضعوا جثة آية في خزان الماء، وقالوا إنها غرقت في الخزان وماتت، يقول عمرو عبد الكريم شقيق “أشواق”.
ويضيف لـ “ريمة بوست” بعدما وقعت الحادثة نزلت الجهات الأمنية إلى المنطقة في مزهر، ونزل البحث الجنائي ليتأكد من حالة وأسباب وفاة الطفلة، فوجدوا عليها آثار ضرب في مختلف جسدها، إضافة إلى وجود دم في أنفها يوحي بحدوث نزيف دم داخلي في الرأس، كما أن كل الأدلة التي سردها تقرير البحث الجنائي تشير أنها ماتت بعد الضرب والتعذيب الذي تعرضت له.
ويوضح، إلى أن الجهات الأمنية قامت بدورها، وتم اعتقال “أم س” وبعد الاستدلالات الجنائية والتحقيق في القضية اتضح جليًا للأجهزة الأمنية أن الجريمة بفعل فاعل ومع سبق الاصرار والترصد، مشيرًا، إلى أن زوج أشواق “س” كان في ذلك اليوم في السجن، لكنه أخبر عمه (ط.أ) بإبلاغ والدته وزوجة أخيه بقتل ابنته آية ولا تسلّم لوالدتها (أشواق).
رغم استقرار عمرو وأسرته خلال تلك الفترة في صنعاء إلا أنه ظل يتابع قضية مقتل ابنة شقيقته، بحيث يقوم بالسفر إلى ريمة كلما تطلب الأمر، وهو ما أتعبه وكلّفه خسائر مادية أكبر، لكنه لم يستسلم، فقد وصلت القضية إلى النيابة الجزائية بمديرية الجبين، وهناك ثبت مقتل الطفلة آية على يد جدتها أم سليم وذلك بعد اعترافها، في حين تم تبرئة الأب (س)، بحسب حديث شقيق أشواق.
حينها، يشير عمرو، إلى أن أحد القضاة في النيابة الجزائية، أخبره ونصحه بأن جهوده في متابعة القضية ستذهب سدىً ولن يصل إلى نتيجة مُرضية، خصوصًا أن في المحكمة سيقوم (س) والد الطفلة، بمسامحة والدته التي اعترفت بقتل آية، حينها سيكون الحكم بدفع الدية، بحيث يكون نصيب أشواق منها السدس وفقًا للقانون اليمني، الأمر الذي دفع عمرو وشقيقته إلى مراجعة حسابتهم في قضية لن ينصفهم فيها القانون.
لم تكن دية مقتل الطفلة “آية” هي الهدف التي تبحث عنه والدتها أشواق، بل كانت تسعى للحصول على عقاب ضد من قتلوا طفلتها التي عذبت وقتلت ظلمًا دون ذنب سوى أنها ولدت في أسرة أشبه بالوحوش، حد وصفها. لذا اضطرت أشواق القبول بالطلاق والتنازل عن مقتل طفلتها “آية” لوجه الله، مرجعةً الأمر لله لينتقم لها ممن ظلمها وظلم وقتل طفلتها، حيث تختم حديثها “أنا اشتي انصاف وعقاب ضد من قتل بنتي، ما اشتي دية أو أي أموال”.