بمركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية بمدينة الحديدة، على أحد الأسرّة الحديدية التي تشبه ظروفه يقبع جسد شاب عشريني نحيل منذ شهر كامل. أربعة أعوام مضت مُذ غزا السرطان خلايا جسد اسماعيل حسين ذي الخمسة والعشرين ربيعًا. لكن المرض لم يكن العلّة الوحيدة التي تنهش جسد اسماعيل، إذ ترهقه كذلك ظروف الحياة المعيشية ومشاق السفر إلى المركز للحصول على جرعة دواء تواجه بطش سقمه.
وصل إسماعيل إلى مركز الأمل بمدينة الحديدة، بعد رحلة سفر مضنية استمرت لخمس ساعات وسط قيظ الصيف، قادمًا من مدينة زبيد الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة الحديدة. رحلةٌ قطع خلالها ما يقارب 300 كيلو متر، بعد أن كانت تقارب 100 كيلو متر قبل اندلاع الحرب وإغلاق الطريق الرئيسي في كيلو 16م، في أغسطس 2018م، الشريان الرئيسي الذي يربط المديريات الجنوبية والشرقية والمحافظات المحاذية لها بمدينة الحديدة.
يقول اسماعيل: “أُجبرت على البقاء في المركز للتخفيف من معاناة السفر الشاقة، فمنذ إغلاق طريق كيلو 16 بسبب الحرب، طالت مسافة السفر وارتفعت أجور المواصلات، فحالتي الصحية لا تتحمل السفر الطويل وحالتي المادية لا تحتمل توفير أجور المواصلات التي ارتفعت من ألفي ريال إلى 10 آلاف ريال ذهابًا وايابًا للشخص الواحد، فضلًا عن وجود شخص برفقتي كوني مريض”.
ويضيف “لو كانت الطريق مفتوحة لم أكن مضطرًا للبقاء في المركز، بل كنت سأتلقى العلاج وأعود في ذات اليوم إلى منزلي في مدينة زبيد، كما كنت أفعل في الماضي، لكن للأسف ما تزال الطرق مغلقة ومعاناتنا تتفاقم يومًا بعد آخر”. وهو ذات القرار الذي اتخذته (ف. م) 30 عامًا، مصابة بالسرطان، حين اختارت البقاء في مدينة الحديدة، بعد أنهكتها صعوبات السفر من مديرية الجعفرية بريمة إلى مدينة الحديدة كل 21 يومًا.
تزداد معاناة مرضى السرطان القاطنين في المحافظات والمديريات المحاذية لمدينة الحديدة من جهة الشرق والجنوب، بعد أن تسببت الحرب بإغلاق العديد من الطرقات الرئيسية والفرعية، أهمها طريق كيلو 16 الذي يربط مدينة الحديدة بالمديريات والمناطق الأخرى المجاورة، الأمر الذي انعكس سلبًا على الأوضاع الصحية والمادية لمرضى السرطان، الذي يصل عددهم في محافظة الحديدة بشكل عام إلى 5485 مريضًا، نسبة كبيرة منهم يعيشون في المديريات الشرقية والجنوبية، وفقًا لمركز الأمل لعلاج الأورام.
تضاعف المعاناة
لم تختلف معاناة اسماعيل عن المعاناة التي تكابدها (ف. م)، أثناء سفرها من محافظة ريمة إلى مدينة الحديدة لتلقي علاج سرطان الذي تعاني منه؛ غير أن الأخيرة تمضي أكثر من ثمان ساعات سفر، عبر طريق بيت الفقيه حتى دوّار كيلو 16، ومن ثم الالتفاف عبر مدينة باجل وما يسمى بخط الشام، الطريق البديل لأبناء ريمة وغيرها من المناطق المجاورة، للوصول إلى مدينة الحديدة بعد إغلاق طريق كيلو 16.
قبل عدّة أشهر أجرّت (ف. م) عملية استئصال السرطان من ثديها الأيمن، لكن ما تزال تتلقى الجرع الكيماوية في مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية كل 21 يومًا، الأمر الذي يتطلب سفرها من ريمة إلى الحديدة شهريًا، ما يفاقم وضعها الصحي والمادي، حيث تصل تكاليف السفر – بحسب ف م – ذهابًا وإيابًا قرابة 100 ألف ريال (170$)، مقارنة بـ 30 ألف ريال (30$) قبل انقطاع الخط نتيجة الحرب الدائرة هناك.
وبحسب احصائيات مركز الأمل لعلاج الأورام بالحديدة، فإن 199 مريضًا بالسرطان يقطنون في مديريات ريمة الست ويعانون من صعوبات عديدة من أجل الوصول إلى مركز الأمل لعلاج الأورام بمدينة الحديدة لتلقي العلاج، خصوصًا مع إغلاق خط كيلو 16 نتيجة المواجهات المسلحة المندلعة منذ ما يقارب ثلاثة أعوام، والتي أعاقت وصولهم وساهمت في ارتفاع تكاليف الانتقال عبر طرق بديلة أطول مسافة وأكثر مشقة، في حين أن 108 مريضًا يقطنون في مدينة الحديدة، تلافيًا لصعوبات التنقل.
الحرمان من التنقل
في السياق ذاته، تقول الناشطة الحقوقية غادة السقاف، إن آثار الحرب حرمت المواطن من حقه في تلقي العلاج المناسب، إذ أصبح تنقل وسفر المواطن للعلاج فيه صعوبة و مشقة كبيرة، سواء مادية أو معنوية وجسدية ، خاصةً بعد إغلاق بعض الطرق الرئيسية التي تربط مدينة الحديدة بغيرها من المديريات والمحافظات المجاورة، مشيرةً إلى المعاناة التي يكابدها المرضى من أجل السفر إلى مدينة الحديدة أو إلى العاصمة صنعاء، حيث توجد مراكز خاصة بعلاج الأورام.
وتردف السقاف: أن “الأصل أثناء الحروب والنزاعات المسلحة تحييد المدنيين والحفاظ على أرواحهم، وتوفير سبل المعيشة الآمنة لهم، وفتح منافذ آمنة لمرورهم وتنقلاتهم، وتجنيبهم ويلات الحرب واخطارها، وهو ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن”.
وتوضح “لكن للأسف المدنيين هم أكثر من يعاني من تداعيات وآثار الصراع والاقتتال، إذ يحرمون من حقوقهم الأساسية، كالحق في المعيشة الآمنة وحق السفر والتنقل بأمان وغيرها من الحقوق، وهذا أمر يتعارض تمامًا مع حقوق الإنسان التي كفلتها القوانين الوطنية والدولية”.
ازدياد المرضى وقلة الامكانات
في اطار الاشتغال على المادة الصحفية توجه فريق مشترك من منصتي ريمة بوست والحديدة نيوز الى ذوي الاختصاص تحديداً الى مدير مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية الدكتور عبدالله خلوفه لمعرفة آثار انقطاع الطرقات عن مرضى السرطان في ريمة والحديدة ليقول الرجل :إن الحرب أثرت سلبًا على أوضاع مرضى السرطان في الحديدة والمحافظات المجاورة من خلال إعاقة وصول البعض إلى المركز لتلقي العلاج في المدينة، إضافة إلى تسببها بارتفاع أسعار الأدوية الضرورية التي يحتاجها الأمراض.
مضيفاً، أنه بالرغم من كثرة المترددين على المركز الذي يغطي محافظات الحديدة وريمة والمحويت وحجة ومديريتي وصابين التابعتين لذمار، إلا أنه يسعى لتوفير الخدمات بالشكل المطلوب، مشيرًا إلى أن من ضمن الصعوبات التي تواجه المركز، زيادة الحالات التي يستقبلها وشحة الدعم وارتفاع أسعار الجرعات الكيماوية التي تقدم للمرضى.
بالمقابل، تشير الناشطة الحقوقية غادة السقاف، إلى أن القطاع الصحي من أكثر القطاعات تضررًا نتيجة الحرب، والحديدة نالت نصيبًا من ذلك، إذ انتشر مرض السرطان فيها بشكل ملحوظ، الأمر الذي أدى إلى تفاقم حجم معاناة المرضى وانتظارهم لأوقات طويلة بحثًا عن فرصة للسفر للعلاج سواء في الحديدة أو خارجها، في ظل شحة الامكانيات وصعوبات التنقل.
في الأثناء ما يزال اسماعيل، يرقد في مركز الأمل لتلقي العلاج بدلاً من العودة بشكل دائم إلى مدينة زبيد حيث أهله ومحبيه.. ويعبّر اسماعيل عن أن أمنيته تكمن في توقف الحرب لتتلاشى آثارها ” أتمنى أن تنتهي الحرب ويتم فتح الطرق المغلقة لكي يسهل انتقال وحركة جميع الناس والمرضى من المديريات والمحافظات الأخرى إلى مدينة الحديدة، هناك المئات من مرضى السرطان مثلي تضرروا تمامًا من تردي الأحوال وإغلاق الطرق”.
تم إنتاج هذه المادة بواسطة ريمة بوست والحديدة نيوز ضمن شراكة إعلامية بين المنصتين