10 دقائق للقراءة 1987 كلمة
عدنان محمد
عشرات اليمنيين الراغبين بالسفر الى الخارج يصطفون في طوابير طويلة بشكل متلاصق في صالة مختبرات الصحة المركزية بمدينة عدن في سبيل الحصول على فحص “كوفيد 19 “و الذي يؤكد خلوهم من الفيروس ليتمكنوا من السفر الى خارج اليمن وهم لا يعلمون أن مسافرين الى الخارج مثلهم يستطيعون استخراج هذا النوع من الاستمارات دون ان يحضروا الى احد المختبرات أو يخضعون لفحص “كوفيد 19” أصلا و ذلك عبر عملية تزوير منظمة لفحوصات كوفيد19 تتورط فيها أطراف مختلفة من بينها جهات حكومية.
ساعات ينتظرها المسافرون في الطابور بانتظار استخراج الحصول على استمارة الفحص وقليلون منهم يلبسون الكمامة كما أن الصالة التي ينتظرون فيها مكتظة بعشرات المسافرين ،وعلى مدخل صالة المختبرات يقف عامل صحي وبيده جهاز قياس الحرارة ليقيس حرارة المتجهين الى الصالة ، إدارة المختبرات وطاقم العمل يتجولون في المكان مرتدين الكمامات دون أن يحركوا ساكن في اتجاه الزام المسافرين بإجراءات السلامة من الإصابة بكوفيد19 الذي بدأ يتفشى في مدينة عدن في وقت زيارتنا للمختبرات في شهر مارس من العام الجاري.
علمنا من أحد العاملين في المختبرات التي تقع ضمن مبنى مستشفى الجمهورية في مدينة خور مكسر أن اشخاصا من العاملين الصحيين المتواجدين في صالة المختبرات أو الحراسات الأمنية الواقفة على طريق دخول المفحوصين قد يكون بينهم سماسرة او وسطاء يقومون باستخراج استمارات فحص “pcr” سلبية للمسافرين الذين يرغبون في تجاوز اجراءات الفحص خشية التأخير بمقابل مادي يزيد عن المقابل المطلوب من قبل مختبرات الصحة المركزية التابعة لوزارة الصحة في عدن.
ويسافر عشرات الأشخاص يوميا عبر المنافذ البرية والجوية من اليمن إلى دول العالم بفحوصات “”pcr مزورة حصلوا عليها بمقابل مالي يتراوح بين (١٥ – ٢٥) الف ريال يمني بما يوازي (٢٠) دولارا مقابل كل استمارة فحص مزور.
استمارة الفحص شرط للسفر
في شهر ابريل من عام 2020م تفشى فايروس كورونا (كوفيد19) في اليمن وأعلنت السلطات اليمنية اغلاق منافذ السفر الجوية والبرية والمتمثلة في مطاري عدن وسيئون الدوليين بالإضافة الى منفذ شحن شرق البلاد ومنفذ الوديعة مع المملكة العربية السعودية وتوقفت حركة السفر من او الى اليمن.
بعد ذلك فتحت منافذ السفر للمسافرين بشكل جزئي مع اشتراط احضار المسافر لاستمارة فحص pcr يثبت خلوه من الإصابة بفايروس كورونا.
وقال مسافرون التقيناهم أن شروط استمارة الفحص صعبة حيث يشترط على المسافر استخراج الاستمارة من احد المختبرات التي اعتمدتها وزارة الصحة فقط وهذه المختبرات تشهد اكتظاظا بالمسافرين الراغبين في الحصول على فحوصات للمغادرة وان لا تتجاوز الفترة الزمنية التي تفصل حصول المسافر على استمارة الفحص ومغادرته احد منافذ البلاد 48 ساعة في ظل وجود مشاكل عديدة في طريق السفر وخاصة البري التي تؤخر المسافر وتأخذ من وقته.
وأكد شهود عيان في منفذ الوديعة البري مثلا أن عشرات المسافرين يتم رفض دخولهم الأراضي السعودية بحجة أن فحوصاتهم قد مضى على استخراجها فترة تتجاوز الوقت المطلوب للمغادرة.
يذكر أن وزارة الصحة اليمنية قد أعلنت إن على المغتربين الراغبين في استخراج استمارات فحص كوفيد19 طلبها من المراكز التالية فقط وهي:
– مختبرات الصحة العامة المركزية بعدن
– مختبرات العولقي بعدن
- الوحدة الجزئية والبيولوجية حضرموت /المكلا
– فرع مختبرات الصحة العامة المركزية/تعز
– مختبرات “اي لاب” بعدن
– مختبرات الصحة العامة حضرموت / سيئون.
التحايل على شروط السفر
علي قائد ( اسم مستعار) استغل علاقاته الواسعة في عدن لاستخراج استمارة فحص تثبت خلوه من كوفيد 19 من مختبرات الصحة المركزية في عدن بدون ان يجري أي تحليل من الأساس.
ويروي قائد قصته وهو شاب في العقد الثالث من عمره لنا قائلا:” وصلت الى عدن انا واثنين من اصحابي ونحن من محافظة مجاورة نريد السفر الى السعودية وسالت شخص مقيم في عدن وهو من أبناء محافظتي عن امكانية استخراج استمارات فحص كوفيد 19 من دون ان نفحص؟ اخبرني: ان الامر ممكن ، فقط يحتاج له مزيدا من المال”.
وأضاف قائد انهم انتظروا بعد ان سلموا الوسيط جوازاتهم وصورا لها مع مبلغ 15 الف ريال مقابل كل استمارة فحص وعاد الوسيط لهم – بحسب كلام قائد- في نهاية اليوم باستمارات تثبت خلوهم من فايروس كورونا وهم لم يغادروا غرفة الفندق ولم يتم اخذ منهم أي مسحة او عينة لاستمارة الفحص.
وأكد قائد قبل أن يغادر الى منفذ الوديعة متجها الى المملكة العربية السعودية أن استمارات فحوصهم تحمل ختوم مختبرات الصحة المركزية في عدن وان الوسيط في استخراجها هو عامل صحي بالمختبرات نفسها.
وبرر استخراجهم لفحوصاتهم بهذه الطريقة قائلا:” المختبرات زحمة ( مكتظة) ولا نريد ان نتأخر”.
مخالفة قانونية توجب السجن
يجرم القانون اليمني عمليات التزوير بأنواعها وينص قانون” الجرائم والعقوبات اليمني” رقم “12” الصادر عام 1994م في الباب الثامن منه على تجريم تزوير الختوم الرسمية او المحررات ويحدد عقوبة للمخالفين تتراوح بين السجن سنتين الى سبع سنوات.
وبخصوص تزوير الاختام الرسمية فتنص المادة رقم (208) من الفصل الأول من القانون:” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن عشر سنوات كل من اصطنع أو زيف ختم الدولة او ختم رئيس الجمهورية او موظف عام او اية جهة يعتبر العاملون فيها من الموظفين العموميين، ويعتبر في حكم الختم أي أداة تستعملها هذه الجهة في شئونها لإحداث علامة معينة، ويعاقب بالعقوبة ذاتها من استعمل شيئا مما ذكر ، اما من استعمل بغير حق ختما او أداة صحيحة وكان من شان ذلك الاضرار بمصلحة عامة او خاصة فانه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين، ويعفى من العقوبة من ابلغ احدى السلطات العامة المختصة قبل تمام الجريمة وقبل الشروع في البحث عن مرتكبيها او سهل القبض على باقي الفاعلين ولو بعد الشروع في البحث عنهم”.
اما فيما يتعلق بالتزوير المادي في المحررات الرسمية فتنص المادة رقم (212) من الفصل الثاني من الباب نفسه:” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات من اصطنع محررا رسميا او غير في محرر رسمي صحيح بقصد استعماله في ترتيب اثار قانونية ، واذا حصل ذلك من موظف عام اثناء تأدية لوظيفته جاز معاقبته بالحبس مدة لا تزيد عن سبع سنوات”.
وتنص المادة (214) من نفس الفصل بمعاقبة أي موظف عام ارتكب تزويرا في محرر رسمي ولو لم يكن مختصا بتحريره بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات.
مزيدا من الشهود
طلبنا من الشاهد علي قائد الذي تناولنا قصته سابقا بأن يصلنا بأحد رفاقه من المسافرين حتى ندقق اكثر في شهادته بخصوص استخراجه لاستمارة فحص pcr مزورا. ربطنا قائد برفيقه نبيل ( اسم مستعار) الذي أدلى لنا بشهادة متطابقة مع شهادة رفيقه.
وأكد الشاهدان أنهما تمكنا من السفر إلى خارج اليمن دون أن يتم كشف أمرهما في منفذ العبور الذي اجتازاه.
ومن أجل أن ندخل الى داخل نظام التزوير ونؤكد أكثر شهادات الشهود وصلنا عبر احد المصادر لاحد الوسطاء او (السماسرة) الذي يقومون باستخراج فحوصات مزورة و اسمه المستعار (شريف).
يزاول شريف مهمة استخراج استمارات فحص pcr المزورة لزبائنه من المسافرين من اليمن الى الخارج منذ منتصف العام الماضي. ويقول شريف – عندما تواصلنا به عبر تطبيق (واتساب) – ان الحصول على المال وتجميعه هو الدافع له للقيام بمهمته.
وعن ادراكه للمخاطر القانونية المترتبة على عمله يقول شريف:” البلاد فوضى ، واحنا بحاجة المال ، الوضع المعيشي عاده صعب”.
وشرح لنا شريف نظام تزوير الفحوصات قائلا:” الوسطاء مثلي تجدهم عند مكاتب السفريات وبالقرب من المختبرات الطبية يلتقون المسافرين ويتفقون معهم على كل شيء وأحيانا تحتاج إلى شخص آخر يوصلك إلى أحد سماسرة الفحوصات”.
ويضيف أن (السماسرة) الوسطاء تربطهم اتفاقات مسبقة مع أحد العاملين في المختبرات الطبية المعتمدة لاستخراج استمارات فحص كوفيد١٩ يلبون لهم طلبات مقابل اقتسام المال المدفوع من الزبون (المسافر).
وأوضح شريف أنه خلال فترة عمله وسيطا في استخراج الفحوصات قدم خدماته لأكثر من عشرين زبون ( مسافر) وكان أغلبهم متجهين إلى المملكة العربية السعودية.
واستطرد:” كل زبائني دفعوا لي (٢٥) الف ريال يمني مقابل كل استمارة فحص مزور استخرجها لهم”.
وعن طبيعة التزوير الذي يجري قال شريف:” نحن لا نزور الأختام و كل الأختام والأوراق التي نستخرجها للزبون صحيحة ورسمية، ما نعمله فقط أننا نستخرج بيانات فحص pcr مزورة صادرة من مختبر معتمد تحمل اسم شخص لم يجر فحصا من الأساس”.
اجراءات احترازية
حاولت وزارة الصحة في اليمن منع عمليات تزوير فحوصات كوفيد١٩ واضافت (باركود) أو كود سري لكل استمارة فحص حتى يستحال نسخها أو تعديل اي جزء من بياناتها عبر اي برنامج من برامج تعديل وتزوير المستندات لكنها لم تعلن عن هذه الخطوة.
وقال لنا مسؤول صحي أنه مع مطلع العام الجاري ٢٠٢١ أضافت الوزارة الباركود إلى استمارة الفحص بعد تلقيها بلاغات بحالات تزوير خلال عام ٢٠٢٠م.
ورغم ان هذه الخطوة التي قامت بها وزارة الصحة قد نجحت في إيقاف الوسيط (شريف محمد) الذي عرضنا شهادته من قبل في المضي قدما في تزوير مزيدا من استمارات الفحص الا اننا نحتاج الى ان نتأكد من نجاحها في إيقاف سماسرة اخرين مثل شريف.
ومن أجل ذلك التقينا موظف يعمل في مختبرات الصحة المركزية في عدن – والى جانب ذلك يقوم باستخراج استمارات فحص كوفيد 19 مزورة – بعد إضافة الوزارة للباركود لاستمارة الفحص وسألناه عن إمكانية استخراج نتيجة فحص لشخص يرغب باستخراج فحص مزور شريطة ان تحمل الباركود الذي اقرته وزارة الصحة، ورد علينا قائلا:” ولا يهمكم اذا تريدوا اي استمارة فحص لاي شخص معكم ، نقدر نستخرجه، ما عليكم من الباركود”.
رسوم مضاعفة
وفرضت مختبرات الصحة المركزية في عدن على كل مسافر يحمل الجواز اليمني مبلغ (١٢) الف ريال رسوما مقابل استخراج استمارة فحص كوفيد١٩، ومبلغ (٢٧) لكل مسافر يحمل جوازا غير يمني مع ضرورة احضار الجواز الأصل وصورة الجواز من أجل إجراء الفحص.
وبزيادة في رسوم استمارة الفحص تصل في اقصاها إلى ضعف المبلغ المطلوب من قبل مختبرات الصحة المركزية يمكن لأي مسافر الحصول على استمارة فحص كوفيد١٩مزورة تثبت خلوه من فايروس كورونا ليتمكن بذلك من السفر إلى الوجهة التي يريد.
ويتخوف المسافرون من ظهور نتائج فحوصاتهم إيجابية الأمر الذي يعيقهم عن السفر في الموعد الذي يريدون لذلك يلجئون إلى الحصول على استمارات فحص كوفيد١٩ مزورة بمقابل مادي أعلى بشرط أن تكون نتائج الفحص سلبية وتظهر خلو المسافر من فايروس كورونا.
وحتى وقت كتابة هذا التحقيق ونشره تستغل اطراف التزوير غياب نظام تبادل المعلومات بين المختبرات المعتمدة لإجراء فحوصات كوفيد١٩ في اليمن والمنافذ البرية والجوية لاستمرارها في عملها غير القانوني بعيدا عن الرقابة والمحاسبة ، فتعرض بذلك الحالة الصحية في بلدان أخرى لخطر نقل وتفشي فايروس كورونا الذي يصارع العالم من أجل التغلب عليه.