صباح كل يوم، تذهب فاطمة محمد، (44) عامًا، وهي امرأة ريفية من ريمة، إلى أماكن مختلفة لجلب الحطب وتوفير ما يكفي لإيقاد نارٍ تطهو بها الطعام والخبز وغير ذلك من الاحتياجات المنزلية، في ظل انعدام مادة الغاز المنزلي وارتفاع أسعاره، إثر الحرب المندلعة منذ ما يقارب ستة أعوام.
تقول: “نعتمد بشكل كبير على الحطب لنوفر لأنفسنا وسيلة تعيننا على توفير وقود في حال انعدم الغاز أو ارتفع سعره أو تمت متاجرته في السوق السوداءِ”. وفي الغالب يقوم الأهالي بقطع الأشجار الكبيرة كالطلح والطنب والعتم أو أحيانا بنزع الشجيرات الصغيرة من جذورها كـ “العُثرب والعُتم” وبعض الأشجار الحراجية المختلفة التي يتشكّل منها الغطاء النباتي في منطقتها.
وتعتبر الأرياف أوفر حظًا من المدن في الحصول على الحطب مجاناً ومن أي مكان، إذ لا تخلو منطقة من وجود “زريبة” وهي مساحات كبيرة مغطاة بالنباتات والأشجار، ولا تعود ملكيتها لأشخاص بعينهم، حيث تعتبر ملكًا عامًا لمن أراد التحطيب أو الرعي والحصول على أعلاف لماشيته.
الحاجة تدفع الأهالي للعودة للماضي
قبل عام 2000م لم نكن نعرف الغاز المنزلي وكنَّا نعتمد على الاحتطاب بشكل كبير بل ويعتبر نمط حياة روتيني يمارس كل يوم، تقول أمينة عبداللَّه (39) عامًا. وتضيف لـ”ريمة بوست”، أن مع تطور الوضع والحياة بشتى مجالاتها خلال العشرين العام الماضية، غزت مادة الغاز المنزلي الأرياف، واعتمد الكثير من الأهالي عليها كبديلِ يوفّر الوقت والجهد، لكن ذلك لم يستمر طويلًا.
مشيرةً أن خلال الستة الأعوام الأخيرة والتي تزامنت مع حروب وصراعات وأزمات اقتصادية مختلفة، عادت مهنة التحطيب في ريمة، كنتيجة حتمية لانعدام مادة الغاز المنزلي من الأسواق وارتفاع أسعاره بشكل كبير، حيث وصل سعر اسطوانة الغاز سعة 20 لترًا إلى أكثر من 8 آلاف ريال في معظم الأحيان.
وهو الأمر التي تؤكده (ن. ر) 40 عامًا، إذ تشير، أن مع انعدام مادة الغاز المنزلي خلال الأعوام الماضية، عادت التناوير التي تعمل بالحطب والفحم النباتي إلى كل بيت وحلّت محل تناوير الغاز التي لم تعد صالحة للاستعمال بسبب تركها وتآكلها، وذلك لندرة استخدامها.
في السياق، يقول المواطن أحمد علي، 42 عامًا، إن بالرغم من توفر الحطب، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عن الغاز المنزلي كونه سهل الاستخدام وسريع في طهو الوجبات والمأكولات، في حين يمكن أن يساعد وقود الحطب في طهو الخبز بالتنور “موفا”، مشيرًا أنه يضطر لشراء الغاز من السوق السوداء بما يقارب 8 آلاف للأسطوانة، بالإضافة إلى شراء الحطب والفحم النباتي.
بالمقابل يوضح مصدر حكومي محلي، إن النقص الكبير في حصة محافظة ريمة من مادة الغاز المنزلي، يعود على الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعشيها الوطن بشكل عام، إضافة إلى الحصار الذي يفرضه العدوان حد وصفه، مشيرًا إلى أن انخفاض الإنتاج في حقول النفط والغاز الطبيعي بمارب، وارتفاع نسبة الاستهلاك المحلي لمادة الغاز من قبل السكان وملاك السيارات، أدى إلى انعدامه وارتفاع أسعاره.
تجارة مزدهرة للجنسين
على جنبات الطرق الإسفلتية الرئيسية في معظم مناطق ريمة تجد أكوام الحطب مرصوصة بالتوازي في صفوف أفقية، ولكل منها سعر حدده حطّابها، في حين كان الكثير قبل ما يقارب ستة أعوام لا يهتم لأمرها أو يقوم بشرائها.
فايز داود، 28 عامًا، أحد من يعملون في مهنة التحطيب في منطقة العوارض المحاذية لمديرية كسمة، إذ يقوم بقطع الأشجار المختلفة في منطقة العوارض التي تعتبر إحدى المناطق ذات الكثافة النباتية المتنوعة، ثم يجمع الحطب إلى جانب الطريق، وبيعه للزبائن بأسعار متفاوتة بحسب نوعية الحطب، ما يوفر له دخلًا يغطي احتياجاته المعيشية.
لم تقتصر مهنة التحطيب على الرجال فحسب، بل إن العديد من النساء أيضًا في المناطق التي تنتشر فيها الأشجار البرية بكثافة، يعملن في ذات المهنة، غير أنهن يعتمدن على أزواجهن أو أقاربهن في بيعه، أو يقمن غالبًا ببيعه من المنازل، يقول المواطن يوسف علي، 65 عامًا.
ويضيف، أن أسعار الحطب تختلف وفقًا لنوعية الأشجار التي تم تحطيبها، إذ يعتبر حطب “الجزّير، العسق، العمبا، الضبا، الظرِف” (أشجار) من أكثرها جودةً، بحيث يكون سعرها أعلى مقارنة بالأنواع الأخرى التي تتنوع بتنوع الأشجار الكثيرة المختلفة.
ويؤكد، يوسف علي، أن مع زيادة اعتماد المواطنين على الحطب، فإن سعره شهد ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بالسنوات الماضية، بحيث وصل سعر “العُكسة الحطب” (حزمة صغيرة) حدود 350 ريالًا للأنواع الجيّدة، و 200 ريالًا لبقية الأنواع، وهو متوسط السعر في غالبية المناطق حد قوله.
مشكلة بيئية
أصبح الاحتطاب والاعتماد على الحطب هو وجهة السواد الأعظم من السكان في ريمة، فالجميع أصبح يملك الحطب إِمَّا بقطعه واحتطابه أو بشرائه من الأسواق أو من بائعي الحطب على جنبات الطرق وفقًا لـ خديجة أحمد، 32 عامًا. وهو الأمر الذي يهدد البيئة والغطاء النباتي والأشجار البرية، حد تعبير الخبير الزراعي حسين العمري.
ويضيف في حديثٍ لـ”ريمة بوست” أن بالرغم من الحاجة الملحّة للحطب للتخفيف من أزمة نقص مادة الغاز المنزلي، إلا أن الاحتطاب الجائر يعتبر مشكلة تعود تأثيراتها بشكل سلبي على البيئة، إذ تؤدي إلى تصحُّر مساحات كبيرة من الأراضي ذات الغطاء النباتي الخفيف، وتساعد في إفقاد التربة لبعض المعادن والمواد العضوية، ما يجعلها غير صالحة للزراعة، ويسهّل انجرافها مع السيول.
ويوضح، أن احتراق الأطنان من الحطب كل يوم يخلّف كوارث بيئية تكمن في زيادة معدلات غاز ثاني أكسيد الكربون وتلوث هواء الريف النقي، مشيرًا أن قطع الأشجار واجتثاث النباتات البرية بوتيرة سريعة وعشوائية لتلبية الحاجة الملحَّة من الوقود، يؤدي إلى نقص الأوكسجين.
بالمقابل يؤكد محمد صالح (69) عامًا، مواطن محلي، أنَّ بعض الجبال والأودية كانت تحظى بغطاء نباتي كثيف ومتنوع، وتقطنها حيوانات بريَّة مختلفة، تعيش بتناغم مع الطبيعة يُفيد كلاً منهما الآخر، إلى أن جاء تدخل الإنسان بقطع الأشجار للحطب أو للبناء أو استخدامها لأغراض أخرى، وبعد ما يقارب نصف قرن أصبحت تلك الجبال والأودية قاحلة وشبه متصحِّرة جرداء، ما سبب انقراض بعض الحيوانات ومغادرة البعض الآخر إلى مناطق أخرى تتمتع بغطاء نباتي حيوي.
في حين، يقلل الكثير من الأهالي من خطورة الاحتطاب على البيئة، معللين ذلك، بعدم تأثير الاحتطاب على البيئة بالرغم من انتشاره منذ القدم واعتماد المجتمع على الحطب كوقود أساسي حتى ما قبل اكتشاف مادة الغاز المنزلي، مشيرين في الوقت ذاته، أن الغطاء النباتي يتجدد ولا ينتهي بالتزامن مع الأمطار التي تهطل بغزارة في معظم مناطق ريمة.
تحذيرات حكومية
في ذات الشأن حذَّرت الهيئة العامَّة لحماية البيئة بصنعاء _ في لقاء سابق مع موقع “حلم أخضر”_ من مخاطر الاحتطاب كونه كارثة بيئية يصعب على اليمن تفاديها وذلك لارتفاع نسبة تناقص الغطاء النباتي بسبب استمرار أزمة الغاز المنزلي منذ أكثر من خمس سنوات.
كما يشير أبو الفتوح للموقع ذاته (حلم أخضر)، وهو مدير التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية بالهيئة العامَّة لحماية البيئة: أنَّه يتم قطع الأشجار بما يزيد عن 860 ألف شجرة سنوياً؛ لسد حاجة الأفران في صنعاء وحدها، وأنَّه يتم حرق قرابة 17500 طن من الحطب سنوياً.