“جبر اللِّه حالنا، زمان كنَّا نقدر نشتري لحمة رأس الأسبوع، أو نهاية الشهر…أمَّا الآن اللَّه يعيننا نوفر القوت الضروري، واللحمة من السنة للسنة أو إِذا فاعل خير تبرع ووزع للنَّاس”، بابتسامة لا تخلو من السخرية، جاء رد الحاج يحيى عبده (75) عامًا، بعد سؤالنا له عن أسعار اللحوم في الأسواق بريمة.
يواصل حديثه لـ “ريمة بوست”، أن الارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم حال دون قدرة النَّاس على شرائه، مشيرًا أنَّ غالبية المواطنين يكتفون بشراء الاحتياجات الأساسية كتوفير الأرز والسكر وغيره، إضافة للخضروات كالبطاط والطماطم التي شهدت هي الأخرى ارتفاعًا متفاوتًا في أسعارها، حد قوله.
ويعيش الحاج يحيى، رفقة زوجته وابنته بريمة، في حين يعيش أولاده مع أسرهم في العاصمة صنعاء، ويكابدون شظف العيش وغلاء المعيشة -حد تعبيره- خصوصًا مع انقطاع رواتبهم كونهم موظفين حكوميين، وهو الأمر الذي دفعه للاعتماد على نفسه في توفير القوت الضروري له ولأسرته.
غلاء مضاعف
في السياق ذاته، تقول المواطنة مريم علي (49) عامًا، إن غلاء اللحوم والكثير من المواد الغذائية فاقم من حياتهم المعيشية، وأصبح من الصعب شراؤها نظرًا لقلة الدخل والبطالة التي يعيشونها، مضيفةً “بصعوبة نستطيع توفير بعضا من المواد الغذائية الأساسية.. أما اللحوم نعتبرها ضيفًا علينا، ولا نشتريها إلا في المناسبات الكبيرة كالأعراس والأعياد”.
وتشير مريم في حديثها لـ “ريمة بوست”، أنها وغيرها الكثير من ذوي الدخل المحدود يلجؤون لشراء لحوم الدجاج سواء البلدي أو المجمَّد، أو الأسماك. وهي بدائل لم تسلم أيضًا من الغلاء، حيث يصل سعر كيلو اللحم من الدجاج الحي حدود ألفي ريال، فيما ارتفعت أسعار الأسماك كذلك، بسبب ارتفاع تكاليف نقلها من مدينة الحديدة عبر طرق بعيدة، بعد أن تسببت الحرب بإغلاق طريق كيلو 16، وهو الطريق الأقرب إلى المحافظة.
ويصل سعر الكيلو الواحد من اللحم البقري 6 آلاف ريال، فيما يتجاوز سعر الكيلو الواحد من اللحم الغنمي 7 آلاف ريال، كما يصل سعر كيلو اللحم من الدجاج الحي ما يزيد عن ألفي ريال، وهي أسعار تقارب ضعف ما كانت عليه في العام 2016م، حيث كان سعر الكيلو اللحم البقري 3 آلاف ريال، فيما الكيلو اللحم الغنمي بـ 4 آلاف ريال، وألف و200 ريال لكيلو اللحم الدجاج.
إلى ذلك قال وكيل وزارة الصناعة والتجارة، عبدالله نعمان في حوار مع صحيفة الثورة الرسمية في أبريل 2019م، إن الوزارة اتفقت مع نقابة بائعي اللحوم على “أن يستمر العمل بالاتفاقيات السابقة على أساس سعر البقري والكبير 2500 ريال للكيلو والفاصل 3500 للكيلو والغنمي 4000 ريال”. فيما حُدد سعر الكيلو جرام من الدجاج اللاحم ألف ريال وسعر الكيلو جرام من الدجاج الحي ألف و٢٠٠ ريال.
“مواطنون لا يشتكون”
من جهته، يقول محمد المنتصر، مدير مكتب الصناعة والتجارة بريمة، إن المكتب قام بعمل تسعيرة لبيع اللحوم _ولم يحدد لنا تلك التسعيرة_ وحتى الآن لم تصل أي شكاوى من المواطنين حول ارتفاع أسعار اللحوم، مشيرًا إلى أن وصول سعر الكيلو اللحم البقري حد 6 آلاف ريال أمرٌ مبالغ فيه وغير منطقي، حد وصفه.
ويضيف المنتصر في حديثٍ لـ”ريمة بوست”، أن الأسعار في ريمة ليست مرتفعة كما يظن البعض، مستدركًا أن “هناك ارتفاع بسيط جداً والسبب يعود لانعدام المشتقات النفطية بحكم الصعوبات واختلاف ريمة عن المحافظات الأخرى من حيث التضاريس الجبلية الصعبة”. مشددًا في ذات الوقت على ضرورة تقديم المواطنين شكاوى ضد من يقوم برفع الأسعار، باعتبار المواطن “مراقب ومساعد للصناعة والتجارة”.
ارتفاع أسعار المواشي
ويُرجع القصّاب (الجزّار) عبده علي، 43 عامًا، غلاء اللحوم في ريمة إلى ارتفاع أسعار المواشي بشكل غير مسبوق في السوق المحلي، حيث بلغت حد قوله، الضعف، وهو الأمر الذي دفعهم لرفع سعر بيع اللحوم بما يتناسب مع سعر شراء المواشي.
ويضيف في حديثِ لـ “ريمة بوست”: بالرغم من ارتفاع سعر البيع للحوم، إلا أننا نعاني من عزوف الناس عن شراءها، بسبب الأوضاع المعيشية التي يعانون منها نتيجة الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي وانقطاع المرتبات الحكومية، كون غالبيتهم يعتمدون عليها كمصدر دخل أساسي.
في حين، يشير المواطن فؤاد محمد، 37 عامًا، إلى أنَّ شراء اللحوم أصبح مقتصرًا على فئة معينة من النَّاس وهم قلَّة من الميسورين ماديًا، موضحًا في الوقت ذاته، أن اعتماد السوق على الإنتاج المحلي الضئيل للماشية وتراجع استيراد المواشي من الخارج، يزيد من ارتفاع أسعارها، ويحرم أسر كثيرة من تناول لحومها.
تدهور الثروة الحيوانية
من جانبه، يرى المواطن علي محمد (45) عامًا، إلى أنَّ ارتفاع أسعار المواشي، يعود لتخلِّي كثير من المواطنين في ريمة عن تربية الأبقار والأغنام والماعز كما كان سابقًا، موضحا أنَّ هذا السبب جعل من سعر اللحوم يتجاوز الضعف في الفترة الأخيرة.
إلى ذلك تقول فاطمة محمد (51) عامًا، وهي مزارعة تعمل في تربية المواشي، إن تراجع الثروة الحيوانية يعود إلى ما يتطلبه أمر تربيتها من جهد كبير وعناية دائمة، إضافة إلى صعوبة توفير الأعلاف لها في بيئة جبلية وعرة، موضحةً أنها لم تعد تربي العديد من المواشي هذه الفترة مقارنة بالسنوات الماضية.
وتضيف لـ “ريمة بوست”، أن تربية المواشي في ريمة دائمًا يكون بشكل محدود، وليست هناك مزارع كبيرة لتربية المواشي، مؤكدةً: “نبيع المواشي كل ثلاث أو أربع سنوات بثمن لا يفي بمقدار الجهد والتعب الذي نبذله في تربيتها” وأن “الجزّار (بائع اللحوم) وحده من يجني الأرباح أكثر منّا”.
تقرير برلماني
في ذات السياق، أشار تقرير برلماني صادر عن لجنة الزراعة والري والثروة السمكية بمجلس النواب بصنعاء في 12 سبتمبر المنصرم، إلى أن تراجع الثروة الحيوانية يعود إلى عوامل عدّة أبرزها ذبح صغار وإناث المواشي، وانتشار ظاهرة التهريب، نتيجة قيام المربيين لتلك الثروة الحيوانية ببيعها بسبب عدم وجود الأعلاف الكافية، إضافة إلى وضعهم الاقتصادي ومعاناتهم.
وألزمت التوصيات التي أوردها التقرير، وزارة الصناعة والتجارة، بـ “دعم وزارة الزراعة والري والجهات ذات العلاقة بإصدار التعميمات لأجهزتها التنفيذية بأمانة العاصمة والمحافظات لمتابعة تنفيذ قرارات وزير الزراعة والري المتعلقة بحظر ذبح إناث وصغار المواشي، والالتزام بالأعمار المحددة لذبح الحيوانات واتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاه المخالفين لذلك”.
بالإضافة إلى: “العمل على ضبط أسعار اللحوم بجميع أنواعها وفقا للتكلفة المحددة من قبل الجهات ذات العلاقة وتشجيع رجال الأعمال والتجار لتبني مشاريع تربية المواشي وتجارة الأعلاف والأدوية واللقاحات”.