23 مدرسة فتحها متطوعون
أمام مجموعة من الطلبة يقضي الشاب حمدان شرف القليصي(24عاما) ساعات من وقته، لتعليم الطلاب والطالبات عدداً من المواد (القرآن الكريم، التربية الاسلامية، اللغة العربية) بجهد تطوعي منه في مدرسة الشافعي بمديرية الجعفرية بريمة، رغم أنه ما زال طالبا في المستوى الثالث بكلية الشريعة بجامعة الحديدة.
ارتأى حمدان أن تدريس الطلبة من أبناء قريته واجبٌ اجتماعيٌ وإنسانيٌ يقع على عاتقه، لا سيما في وقت تمر فيه البلاد بنزاع مسلح كاد أن يُعطل العملية التعليمية. ويجيب القليصي عن دافعه في العمل كمعلم متطوع منذ عام 2016 بالقول “خوفي على مستقبل أطفال بلادي أن يواجهوا مصيراً قاسيا في قادم الأيام نتيجة عدم تلقيهم للخدمات التعليمية.. مضيفاً أن الشوارع باتت تمتلئ بالأطفال المتسربين من المدارس “.
مدرسون غائبون وطلبة محرومون
على مدى سنوات الحرب التي أثرت سلباً على سير العملية التعليمية في البلاد قاطبة، أخذت ريمة اليمنية نصيباً كبير من هذه الخسائر التي لم تكن جديدة بالنسبة لقطاع التعليم في المحافظة، لكنها ضاعفت مآسي الطلاب والطالبات الذين عرفوا المعناة منذُ وقت مُبكر سيما وأن تباعد المسافات بين المدارس وانتقال عدد كبير من المدرسين إلى مناطقهم ومدن يمنية أخرى كان من أبرز المعوقات التي تواجه تقدم العمل التعليمي والتربوي في مديريات ريمة الست، لتأتي الحرب وتتسبب بإيقاف بعض المدارس بشكل جزئي نتيجة توقف رواتب المعلمين، وهو الأمر الذي أدى إلى التحاقهم بمهن أخرى توفر لهم مصدر عيش بدلاً عن عملهم الأساسي، ومن هؤلاء المدرسين من استطاع أن يجمع بين الأمرين ومنهم من غادر إلى محافظات أخرى أو هاجر إلى بعض الدول العربية بعد حصولهم على فرص توفر لهم ولأسرهم عيشة كريمة.
وتظهر إحصائية قادمة من مكتب التربية والتعليم أن اجمالي المدرسين الغائبين عن مدارسهم بلغ 650 مدرساً في كافة التخصصات خلال العام الدراسي 2019.2018 ويقول لـ “ريمة بوست” نائب مدير عام مكتب التربية والتعليم نشوان معوضه: إن تغيب المدرسين لأسباب معيشية ولأسباب تعلقت بمشاركة بعضهم في جبهات القتال أمرٌ حرم الكثير من طلاب المحافظة من تلقي دروسهم بشكل طبيعي، وساعد تغيب المدرسين عن عملهم إلى تنامي ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس حيث قالت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة “يونيسيف” في الـ25 من سبتمبر /أيلول2019م : إنه يوجد مليونا طفل خارج المدارس بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة منذ تصاعد النزاع في مارس 2015م. كما بات تعليم 3,7 مليون طفل آخر على المحك حيث لم يتم دفع رواتب المعلمين منذ أكثر من عامين.
مدارس مُغلقة فتحها متطوعون وحوافز اليونيسيف لم تصل للجميع !
يقول الأستاذ مصطفى سعد مدير مدرسة المجد ببلاد الطعام : إن معلم مادة الرياضيات في المدرسة وهو من محافظة تعز قد غادر وعاد إلى بلاده منذ ما يقارب عامين وهو أمر سرى على أغلب المدرسين من أبناء المحافظات الاخرى ما جعل الطلاب يُحرمون من الدراسة في المواد العلمية سيما أن أغلب الدرجات الوظيفية قد تم نقلها مالياً وإدارياً من المحافظة، غير أن الطلاب ظلوا بلا دراسة في هذه المواد.. لقد مَثل توقف صرف الرواتب للمعلمين مُعضلة هددت مستقبل الطلبة في 23 مدرسة ما بين أساسية وثانوية توقفت عن أداء الحصص التعليمية لملتحقيها في بعض عزل وقرى ريمة نتيجة تغيب مدرسيها الذين استبدلوا بعملهم مهنا أخرى في أماكن خارج المحافظة وبعضهم انتقلوا الى مناطقهم الاساسية قبل فترة غير أن التربية والتعليم بالمحافظة فتحت باب التطوع للراغبين في التدريس وتغطية فجوة غياب الكوادر الأساسية في هذه المرافق التعليمية ليلقى ذلك استجابة أكثر من 500 متطوع من الجنسين في عام 2018، ويقول معوضه : إنهم أعادوا تشغيل 23 مدرسة كانت مغلقة تماماً عبر عملهم بشكل طوعي بتدريس الطلبة وتغطية الفجوة التي تركها تغيب المدرسين عنها مُضيفاً أن جهودهم ساعدت في استمرار العملية التعليمية بالمحافظة رغم ظروف الحرب وتغيب المدرسين الأساسيين عن مدارسهم موجهاً شكره لكل العاملين التربويين في المحافظة الذين يعملون بكل مثابرة وإصرار، وبحسب مكتب التربية والتعليم فقد بلغ إجمالي المتطوعين 1000 متطوع من الذكور والاناث حتى العام الماضي 2019م وتقدم اليونيسيف حوافزًَ شهرية للمتطوعين والعاملين الأساسيين فعلياً في المدارس الذين بلغ عددهم أكثر من 4000 معلم من الذكور والاناث بواقع 50$ دولار عن كل شهر غير أن هذه الحوافز لم تصل إلى البقية الذين يقولون أن أسمائهم لم ترد ضمن المستفيدين من المشروع رغم انضباطهم الدائم وعملهم المتواصل في المدارس، ويرجح معوضه أسباب ذلك إلى محدودية العدد الذي وضعته المنظمة إضافة إلى اشتراطها حصول بعض المتطوعين على مؤهل أكاديمي، حيث تشترط المنظمة أن يكون المتطوع حاصلاً على مؤهلٍ جامعي لا يقل عن دبلوم، إضافة إلى اشتراطها أن تكون المدرسة غير متوفر فيها كادر تعليمي يلبي الحاجة .
مبادرات مجتمعية لاستمرار التعليم!
نشطت المبادرات المجتمعية في مناطق ريمة بهدف دعم استمرارية التعليم، حيث قام الأهالي بإنشاء صناديق مجتمعية مالية تهدف إلى جمع الأموال من الناس والميسورين منهم وتقديمها للمعلمين كحوافز شهرية، وذلك قبل أن تقدم منظمة اليونيسيف الحوافز المالية.
ويقول الناشط المجتمعي أنور مجلي والذي يعمل عضوا في إحدى مجالس الآباء بمديرية كسمة : إن هذه المبادرات أقيمت بتفاعل مجتمعي من أولياء الأمور الذين قدموا مبالغ مالية بشكل طوعي واختياري إلى الصندوق الذي تكمن مهمته في جمع المبالغ وتقديمها كحوافز نقدية للمعلمين بواقع 30الى 40 الف (60-80$)..ويضيف لنا عثمان وهو مسؤول العلاقات العامة لصندوق خيري مماثل في عزلة بني أبو الضيف بمديرية الجبين : إن الصندوق نجح بصرف 2 مليون ريال يمني (3400$) لمعلمي خمس مدارس بالعزلة مضيفاً أن هذه المبادرة هي الثانية منذ عامين وتهدف الى تسهيل استمرار العملية التعليمية للطلبة والتخفيف من معاناة المُدرسين الذين يرزح أغلبهم تحت وطأة الظروف الاقتصادية.
منذ سنوات طويلة عانت مدراس المحافظة من عملية نقل المدرسين إلى مناطقهم الأًصلية بعد أن تم توظيفهم في المدارس، خصوصاً وأن أغلبهم مدرسون للمواد العلمية، وتم نقلهم دون إيجاد البدائل، رغم أن المجلس التربوي بريمة في اجتماع له في ديسمبر /كانون الاول 2012 أقر منع نقل أي مدرس من المعلمين الذين يعملون في المحافظة إلى خارجها مهما كانت الأسباب والظروف، وأقر اعتماد درجات وظيفية جديدة لتعويض النقص في المواد العلمية في كافة المدارس إلا أن عملية النقل تواصلت من داخل المحافظة لخارجها حتى اندلعت الحرب وضاعفت مآسي الأهالي وأبنائهم الطلبة.