“ساكن في غرفة واحدة، وعملت فوقها طربال لأنه المطر كلما يجي يدخل فيها”، يروي محمود علي 45 عاما، تفاصيل حياته، بعد أن انهار منزله الواقع في عزلة بني العقبي بالجعفرية، جرّاء الأمطار الغزيرة منتصف الشهر الماضي.
انهار المنزل القديم الذي كان يسكنه محمود وأسرته المكونة من زوجته ووالدته وأطفاله السبعة، ولم يتبق منه سوى غرفة واحدة، أصبحت فيما بعد الملاذ الوحيد للأسرة بالرغم من أنها مهددة بالانهيار ويتسرب إليها الماء كلما هطلت الأمطار، إضافة إلى أن أحد جدرانها قد تشقق من الداخل بسبب انهيار الجزء الخارجي منه.
يقول محمود أن الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الشهرين الأخيرين على المنطقة كانت غزيرة، فلم يستطع المنزل القديم تحمّلها، فانهار منه الجزء الأكبر ولكن لم يقع أي اصابات بشرية.
ويضيف في حديثه لـ”ريمة بوست”، أنه رغم انهيار المنزل لم يجد مكانا آخرا يسكن فيه مع أسرته، فاختار السكن في الغرفة التي بقيت منه، واضعا على سقفه “طربال” ليقيه من تسرب مياه المطر حال هطوله.
متضررون على شفير الخطر
رغم المخاطر التي تترتب على المكوث في تلك المنازل المنهارة أجزائها، إلا أن أصحابها يرون أن المكوث فيها أهون عليهم من الصعوبات المعيشية التي تواجههم، وانعدام مصادر الدخل التي كانوا يعتمدون عليها، في ظل غياب المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني بدورها في دعم ومساندة المتضررين لتجاوز محنتهم.
يؤكد المواطن محمود أن ظروفه الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها وانعدام الرواتب كونه موظفا حكوميا؛ حالت دون قدرته على إعادة بناء ما تهدّم من أجزاء المنزل. وهو الأمر الذي يعيشه أيضا المواطن يوسف الابي، إذ تهدم جزء من منزله في مديرية كسمة منذ أسبوعين بسبب الأمطار الغزيرة، وقد عجز هو الآخر عن إعادة بناءه، وظل يقطن في الجزء المتبقي منه مع أسرته، متناسيا ما يترتب على ذلك من أخطار.
ويقول الناشط المجتمعي غيلان الكامل، أن الأضرار الجسيمة التي تعرض لها السكان بريمة جرّاء الأمطار الغزيرة، لم تلاقي أي تجاوب من قبل منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية، وقد وقفوا عاجزين عن تقديم أي مساعدة، وهو ما يثبت حجم الإهمال والفساد الذي تعيشه هذه الجهات.
ويضيف ” لا زال المتضررين ينتظرون كالعادة من يطرق أبوابهم ليقف معهم فيما تعرضوا له من دمار، لكنهم يثقون أن لا أحد يسمعهم أو ينظر لهم ولاحتياجاتهم”.
أضرار بالجملة
وقد تسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت على أغلب مناطق مديريات ريمة الست، بأضرار كبيرة، بشرية وأخرى مادية في أملاك السكان. ففي عزلة بني سعيد بالجعفرية أدت إلى انهيار جدار باحة مسجد الظهره، على المواطن زيد شايع بمنطقة بني سعيد، وقد فارق الحياة إثر ذلك، كما نجى شخصين آخرين في طريق عزلة بني الجعد، وتدحرج “البوكلين” الذي كانا عليه إلى أسفل الوادي إثر انهيار أرضي للتربة. ولم تكن المنازل أيضا بمنأى عن خطر الأمطار الغزيرة فقد انهارت خلال أقل من شهرين أكثر من عشرة منازل بعضها بشكل جزئي وأخرى بشكل كلي، غالبيتها في مديرية الجعفرية تليها كسمة، وفقا لمتابعاتنا، إذ لا تتوفر أي احصائيات رسمية.
كما أن المدرجات الزراعية أيضا لم تصمد أمام غزارة الأمطار، حيث انهارت في مناطق ريمة بشكل عام المئات منها، الأمر الذي أثار مخاوف المزارعين من تجريف التربة ما سيؤثر سلبا على الزراعة التي تعتبر من أهم الأنشطة التي يمارسها السكان.
يقول محمد الفلاحي، أحد ساكني مديرية بلاد الطعام، أن الأمطار الغزيرة تسببت بجرف وانهيار العشرات من المدرجات الزراعية للمواطنين في معظم مناطق المديرية. ويشير أن السيول التي تشكّلت في المدرجات الزراعية جرفت التربة إلى الأودية وتسببت بأضرار كبيرة في أملاك المواطنين. وتتسم المدرجات الزراعية الجبلية بصغر مساحتها، ما يجعلها سهلة الانهيار والانجراف، في حال هطول أمطار غزيرة.
وفي السياق ذاته فاقمت الانهيارات الصخرية والترابية من معاناة المسافرين، وأعاقت حركتهم سواء بين المديريات، أو بين ريمة ومحافظة الحديدة التي تعتبر أهم المدن التي يعتمد عليها السكان لمداواة مرضاهم وشراء احتياجاتهم الأساسية.
ورغم غياب الجهات المعنية عن القيام بدورها في فتح تلك الطرقات المغلقة بالصخور الضخمة والأتربة، لعب أبناء المجتمع دورا كبيرا يتمثل في فتح الطرق أمام حركة السيارات، في مبادرة تبرز الدور الإيجابي الذي يلعبه المجتمع في حالة وقوع أحداث طارئة.
يؤكد الفلاحي أنه خلال الأسبوع المنصرم انقطع الطريق المؤدي إلى مركز مديرية بلاد الطعام، غير أن الأهالي تعاونوا لفتحه دون انتظار للجهات المعنية. كما يشير ماجد الجعفري أنه خلال الأسبوع الماضي انقطع الخط الرابط بين مديريتي الجعفرية وكسمة عدة مرات ومن أماكن مختلفة، إلا أن الأهالي قاموا بفتحه بمبادرات ذاتية.
ويضيف الجعفري أن هناك مناطق عديدة أكثر تهديدا بقطع الخط إذا لم يتم وضع حلول لها، مثل تدفق السيول باستمرار في وادي معد ببني العقبي، أو المناطق الهشة والآيلة للسقوط كلما تعرضت لأمطار غزيرة.
مخاوف من وقوع كارثة إنسانية
شكّلت الأمطار حافزا لبقاء السكان واستقرارهم في جبال ريمة وسهولها، كون الأمطار هي المصدر الأساسي للمياه، غير أنه خلال الفترة القليلة الماضية، وبسبب تقلب أحوال الطقس في المرتفعات الجبلية وهطول أمطار غزيرة، أصبحت هذه الأمطار مصدر قلق للمواطنين القاطنين في مناطق تقع تحت مرتفعات جبلية آهلة للسقوط. فقد صحا المواطنون في عزلة بني العامري فجر الخميس 23 أبريل الجاري على صوت انهيار صخرة ضخمة من أعلى جبل ميده، ما أثار فيهم الرعب والقلق من خطر تلك الصخور المطلة على قراهم.
ويقول الإعلامي إبراهيم العامري أن الصخرة التي انهارت من جبل ميده، دمرت في طريقها المئات من المدرجات الزراعية المزروعة بأشجار البن، وأنه لولا أقدار الله وتغيّر مسار الصخرة، لكانت دمرت العديد من المنازل في قرى، مزعوفة وبرحة والمعزب وشخضه.
ويضيف في حديثه لـ”ريمة بوست”، أنه في العام 2007م تطرق من خلال صحيفة ريمة، إلى خطر تلك الصخور وما تمثله من تهديد على حياة سكان القرى الواقعة أسفل الجبل، كما ناشد الجهات الرسمية بإرسال فريق متخصص لتقييم خطرها ووضع حل لها، خاصة أن تشققاتها تزداد كل يوم. مشيرا أنه لم يلاقي أي تجاوب من الجهات المختصة.
ويحذر العامري، من خطر بقاء الكتل الصخرية الآيلة للسقوط بجبل ميده، على سكان القرى الواقعة أسفل الجبل، مؤكدا في الوقت ذاته، أن عدم قيام الجهات الرسمية بدورها في وضع حل لهذا المشكلة، قد يتسبب بكارثة إنسانية أكبر من الكارثة التي تعرض لها سكان قرية الظفير في بني بمحافظة صنعاء في ديسمبر 2005م.