اللواء يحيى مصلح مهدي رمز من رموز الثورة، وأحد الشخصيات الثورية التي أشعلت فتيل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، معلنين إنتهاء عهد الإستبداد والإمامة وبداية عهد جديد لليمن، عهد العدالة والتنمية، عهد الجمهورية والديمقراطية.
ولد اللواء مهدي في 11 يوليو من العام 1938، في قرية البرار – مديرية الجبين بمحافظة ريمة، وتلقّى تعليمه الأولي في الحديدة ثم إلتحق بالكلية الحربية عام 1956م في صنعاء، وبعد تخرجه انطلق ليقود معارك الجمهورية جنباً لجنب مع أبو الأحرار محمد محمود الزبيري، فقد قاد أشرس المعارك دفاعاً عن مشروع الجمهورية، وحارب فلول الإمامة في منطقة القفلة وحرض، وعمل على كسر حصار السبعين بعد قيام الثورة.
يقول الكاتب والمؤرخ اليمني حيدر علي ناجي العزي: “إن من الصعب الإحاطة بشخصية مثل شخصية اللواء يحيى مصلح فهو برصيده الوطني ومنعطفات حياتهُ المليئة بالأحداث والمواقف ومشاركته في صنع القرار، ترك بصماته التي أثرت في وعينا ووجداننا منذ نعومة أظافرنا، ليس في ريمة وحدها بل على مستوى الساحة اليمنية، فهو علمٌ شامخ معروفٌ بذاته ولا يحتاج إلى تعريف”.
فبعد أن هدأت المعارك وتثبتت دعائم الجمهورية، انطلق للمساهمة ببناء الجيش فقد أسهم في تشكيل وبناء الحرس الوطني، وبسبب الخبرات البسيطة التي كانت لديه في القيادة العسكرية وتشكيل الجيوش النظامية انطلق إلى القاهرة، وهناك درس دورة قيادة الكتائب وعاد إلى اليمن ليُعيّن قائداً لشؤون التدريب في القوات المسلحة، وبعدها عاد إلى القاهرة مرةً أخرى ليدرس دورة الأركان الذي تخرج منها عام 1966م، ليكون أول ضابط في الجيش اليمني يحصل على الماجستير في العلوم العسكرية.
ويضيف ناجي “لم تكن الثورة اليمنية مجرد مدفع ودبابة في المواقع العسكرية، بل كانت بناء مؤسسي وبناء تنموي، وقبل هذا بناء الإنسان اليمني الذي هو محور التنمية وصانعها” ومن هذا المنطلق فقد اشترك اللواء يحيى مصلح في بناء المؤسسات الدستورية فعمل عضواً في جميع المجالس البرلمانية التي نمت مع نمو التجربة الديمقراطية في اليمن، وتتميز شخصية اللواء مصلح عن غيره من القادة والثوار، ويظهر أثرها جلياً على ما تركهُ من سجلٍ حافلٍ بالعطاء والمنجزات لليمن بأكمله.
فيتميز سجلهُ النضالي بالتنوع في الخبرات والمعارف والتدرج في المهام العسكرية والمناصب القيادية في الدولة، والأدوار النضالية، فبعد عودته من القاهرة وقعت أحداث ومعارك ضد الجمهوريين فكان من أبرز الذين قاموا بفك هذا حصار السبعين فقد كان من ضمن الذين سجنوا بالقاهرة مع القاضي عبد الكريم الإرياني والعمري الذين عادوا عام 1967م لليمن، ليتوّجوا كفاحهم العسكري والسياسي بأعداد المقاومة والدفاع عن صنعاء إبان حصار السبعين يوم.
لم ينسَ هذا القائد الذي يقود المعارك الميدانية أن عليه واجب آخر، تمثل هذا الواجب في استغلال نفوذه وتأثيره على أبناء منطقة ريمة لتحريضهم ودفعهم للتجنيد والإلتحاق بخنادق الشرف والبطولة لتحقيق النصر المؤزر ومناصرة المشروع الجمهوري ضد حكم الإمامة الدموي، وأثناء حصار السبعين يوم طلب القاضي عبدالسلام صبره من اللواء مصلح، حث أبناء ريمة للاشتراك في الدفاع عن النظام الجمهوري والدفاع عن العاصمة صنعاء، وبالفعل اندفعت أعداد كبيرة تفوق الأعداد السابقة وساهموا ببسالة وكانوا هم الجنود المجهولين الذين لم يمنّوا ولم يشترطوا الثمن قبل إلتحاقهم أو بعد أدائهم الواجب.
وكما ساهم مصلح في بناء المؤسسة العسكرية والبرلمانية، فقد إشترك في بناء السلطة التنفيذية كأحدى المؤسسات الدستورية، فكان أول وزير للتموين في اليمن، وهي الوزارة التي تهتم أنذاك بأهم القضايا الاقتصادية ومطالب المجتمع المعيشية في حكومة الدكتور حسن مكي، ولا ننسى أن هذا القائد العسكري المنتصر والوزير الناجح والبرلماني المفّوه، كان أيضاً دبلوماسياً متميزاً خدم اليمن ووطد علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة حينما عمل سفيراً بتشيكوسلوفاكيا وقطر والبحرين، ورأس عدداً من الوفود اليمنية إلى الخارج وحصل على أوسمة ونياشين وشهادة من الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تقتصر مهامه وأعماله ومساهماته على المؤسسة العسكرية والبرلمانية بل كان مساهماً في بناء السلطة المحلية فتولى منصب محافظ في أكثر من محافظة، في ذمار وإب وصنعاء وكانت صنعاء تضم محافظات ( الأمانة وصنعاء وريمة والمحويت وعمران)، ثم تولّى في عهد الرئيس علي عبدالله صالح محافظتي صعدة وذمار للمرة الثانية، خلالها كانت معركته الحقيقية مع الرواسب القديمة بما فيها مراكز القوى المتشبثة بتسلطها وإمتيازاتها الموروثة من قبل الثورة والتي كانت تحدياً للمناضلين والقيادات التي تؤمن بضرورة التطور وإرساء دعائم الدولة المركزية الحديثة ودولة النظام والقانون.
فواجه الكثير من الصعوبات ولكنه حقق إنتصارات لا يزال جيل السبعينات يتذكرها إلى اليوم بنبرات الإعجاب والتقدير، لأنه عاملها بحزم وصرامة حينما تكون ضرورية، وعاملها معاملة الطبيب لمريضة حينما تقتضي المواقف ذلك وعمل حكماً ومحكماً قبلياً حينما لا يوجد حل إلا باللجوء إلى القواعد والأسلاف والأعراف القبلية والتي تنسجم مع الشرع والقانون فحقن الدماء وأوصل الحقوق لأصحابها بأسرع وسيلة ولديه عشرات الأحكام التي أخمدت خلافات ومعارك وحروب قبلية في المحافظات التي عمل فيها فأحتل في قلوبهم مكانة متميزة.
ومن الناحية السياسية فقد تدرّج في العديد من المناصب الهامة في الدولة فكان يديرها بحكمة وبحزم عندما يتطلب ذلك، و كان المناضل يحيى مصلح، عضوا في اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام، ثم انتخب لعضوية مجلس النواب عام 1987، عن مديرية السلفية وبلاد الطعام، ثم أعيد انتخابه في الدورة البرلمانية عام 1993، عن مديرية الجبين بريمة، ولكفاءته ولخبرته في كل المجالات عُيّن أيضا مستشارا لمجلس الرئاسة ثم مستشارا لمكتب رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وفي كتاب مذكراته يتحدث اللواء عن الأحرار والعسكريين الذين ساندوا الجمهوريين وعن القادة الخونة الذين خذلوا الجمهورية وانسحبوا من ميدان المعارك في حصار السبعين قائلاً “: هناك قيادات عسكرية عليا ذهبت من العاصمة ومعروفة لدى الجميع، وهم الذين عادوا بعد فك الحصار وانتصار القوات المدافعة عن الثورة والجمهورية وقاموا بتشكيل الجيش والقسم الفائض، وهم الذين قبل ذلك شكلوا لوائين في السخنة بالحديدة.. ومزقوا الجيش بعثيين عرقيين وطائفيين وغيرهم.. أما الذين دافعوا عن الثورة والجمهورية ستجدونهم يعملون في الورش والمطاعم..”
وقد ظلت مكاسب الجمهورية ومشروع بناء الدولة المدنية الحديثة أكبر همّ اللواء مصلح، حتى وهو على فراش المرض عام 2018م. في إتصال هاتفي له مع محافظ محافظة ريمة حث اللواء مصلح قيادة السلطة المحلية بريمة على الحفاظ على المكاسب التعليمية كونها الركيزة الأساسية والطريقة الوحيدة للنهوض بالجمهورية وتدعيم سلطة القانون الذي هو ما نسعى إليه اليوم. ويُعتبر اللواء الركن يحيى مصلح النموذج الأبرز والأيقونة الثورية والأستاذ والمُلهم لأبناء ريمة الذين يقدمون حب وطنهم على أنفسهم ويقدسون ثورتهم ويبذلون في سبيلها الغالي والنفيس، ويسعون إلى تدعيم مبادئ الجمهورية والحفاظ عليها ولو كلّفهم ذلك حياتهم.
وعمل مصلح على شق الطريق الرئيسي لريمة كما نشط بفاعلية في تأسيس العديد من المدارس والحقول العملية أبرزها مدرسة جمال الدين الهتاري بالجبين، ومدرسة المناضل يحيى مصلح بالجدس في المديرية نفسها، كما تميّز بإسهامته ودعمه لقطاع التعليم في ريمة، ويعيش حالياً في جمهورية مصر العربية بعد سيرة عطاء حافل بالانجاز.