من شمال دارفور بالسودان لريمة باليمن: التصحر يبتلع آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية

فلاحة الأرض
‏  10 دقائق للقراءة        1998    كلمة

 6 آلاف و692 هكتارًا من الأراضي الصالحة للزراعة في محافظة ريمة اليمنية توقفت عن الإنتاج منذ عام 2012 نتيجة التصحر وغياب الإجراءات الحكومية النظامة لإدارة الموارد المائية، والمشجعة لقطاع حيوي يُعد من أسس الأمن القومي لأي بلد، وفقاً لمصادر حكومية وزراعية.

 

على بعد أكثر من ألفي كيلومتر، في محافظة شمال دارفور، مشكلة التصحر أيضاً تتفاقم، لتُكمل مهمة الحرب في هدم مدماك أساسي هو الأمن الغذائي لسكان هذه المحافظة حيث قضم التصحر مزارع كبيرة بأسرها على مدى العقود الماضية، إذ تتقدم الصحراء ميلاً كل عام، وفقاً للأمم المتحدة.

 

فريقان صحافيان، “عاين” من السودان و”ريمة بوست” من اليمن، عملا على تغطية موضوع التصحر في محافظتين تفصلهما أكثر من ألفي كيلومتر، لكن تجمعهما تحديات بيئية مع تآكل المساحة المخصصة للزراعة، بما يرفع من منسوب النزوح نحو المدن، ويقتص من الأمن الغذائي للناس، ويُهدد بنزاعات. ذاك أن 90 في المئة من سكان هذه الولاية السودانية، يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي لتأمين قوت يومهم، رغم أن الإحصاءات الحكومية تُفيد أن نسبة الأراضي المتصحرة وصلت الى 145 كيلومتر مربع من أصل 296 ألفاً، أي أنها أقل قليلاً من النصف.

ولايتان زراعيتان

في محافظة ريمة الجبلية، تُعد الزراعة النشاط الأبرز لغالبية السكان منذ القدم، حتى إن بعض مناطقها سُمي نسبةً إلى نشاطها الزراعي، كمديرية بلاد الطعام المشهورة بزراعة الذرة الحمراء والبيضاء وغيرها من الحبوب (“الطّعام” في اللهجة المحلية)، كما يُزرع فيها العديد من أنواع الخضروات والفواكه والبن، إضافة إلى الاهتمام بتربية الحيوانات والنحل وإنتاج العسل.

 

ويعتمد السكان في مختلف مناطق محافظة ريمة على الزراعة كنشاط اقتصادي يوفر لهم احتياجاتهم الأساسية من الحبوب والخضروات وغيرها من الفواكه، ويوفر فرص عمل لعشرات الآلاف منهم، لكن القطاع الزراعي شهد خلال العقد الماضي تراجعًا كبيرًا، أدى إلى تقلّص الأراضي الزراعية وتراجع نسبة الأيدي العاملة في هذا القطاع، وانخفاض مستوى الإنتاج السنوي في مختلف المحاصيل الزراعية أبرزها محصول البن والحبوب التي تزرع في معظم مناطق المحافظة.

كذلك محافظة شمال دارفور فيها أراضي زراعية شاسعة، إذ تبلغ مساحتها الاجمالية 296 ألف كيلومتر مربع، أي أنها أكبر من المملكة المتحدة (بريطانيا وايرلندا الشمالية مجتمعة) لناحية المساحة. تاريخياً، تمزج هذه المحافظة ما بين الزراعة وتحديداً الذرة والدخن، بالاعتماد على الأمطار، وبين تربية المواشي، وكلاهما يُمثلا ركناً بالأمن الغذائي للمنطقة. واللافت في حالة شمال دارفور أن الأمم المتحدة اعتبرت النزاع فيها أولى صراعات تغير المناخ، لجهة أن التصحر وشح المياه رفعا منسوب التنافس عليها، وفتحا باب العنف المسلح.

تدني الانتاج الزراعي: أرقام

احتلت محافظة ريمة المرتبة السادسة عشر من بين محافظات الجمهورية اليمنية، لجهة المساحة الزراعية التي بلغت 26,981 هكتار (يُوازي الهكتار 10 آلاف متر مربع)، عام 2012م، وفقًا لبيانات الإحصاء الزراعي، حيث تشكّل 1.8% من إجمالي المساحة المزروعة في اليمن البالغة  1,500,973 هكتار، في ذات العام.

لكن ومع ظروف الحرب والأزمات التي تعاني منها اليمن، تراجعت تلك المساحات الزراعية لتصل نحو 20289 هكتار عام 2018م. ما يعني أن 6 آلاف و692 هكتارًا من الأراضي الصالحة للزراعة توقفت عن الإنتاج منذ عام 2012م.

تشير بيانات الإحصاء الزراعي لعام 2012م، أن كمية الإنتاج الزراعي لمختلف المحاصيل الزراعية بلغت في ريمة 56381 طنًا، وهي نسبة أعلى بكثير من كمية الإنتاج الزراعي للعام 2018م، والتي بلغت نحو 40369 طنًا، في تدنٍ واضح في مستوى إنتاج معظم المحاصيل الزراعية، ليصل الفارق إلى ما يزيد عن (15000 طنًا) بين عامي 2012م، 2018م.

وبالرغم من أهمية شجرة البن في محافظة ريمة التي تحتل المركز الثاني في مستوى إنتاج البن في اليمن، إلا أن محصول البن شهد تراجعًا، من 4 آلاف و139 طنًا من مساحة بلغت 7 آلاف و715 هكتارًا، عام 2013م، إلى 3 آلاف و313 طنًا من مساحة تقدر بـ 7 آلاف و495 هكتارًا، خلال عام 2018م.

كما تراجع إنتاج الحبوب من 8 آلاف و809 طنًا، على مساحة بلغت 10 آلاف و107 هكتار خلال عام 2014م، إلى 3 آلاف و680 طنًا، على مساحة بلغت 6 آلاف و912 هكتار، خلال عام 2018م. أي أن 3 آلاف و195 هكتار من الأراضي الزراعية التي كانت تزرع بمحاصيل الحبوب، توقفت عن الإنتاج منذ عام 2014م.

في ولاية شمال دارفور بالسودان، تنخفض نسبة الإنتاج الزراعي في الولاية تدريجياً نتيجة التغيرات المناخية، وفقاً لمحمد أحمد مسؤول التغيير المناخي بالمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعة (مجلس حكومي). أحمد تحديث لـ”عاين” عن انخفاض انتاج الدخن في الولاية من 4 – 5 جوال (مئة كيلو)  للمخمس-(مخمس واحد=فدان وربع، أو ألف ومئتي متر مربع)  -الى 1-1 ونصف جوال للمخمس الواحد. وهذا انخفاض سريع في منطقة.

أسباب التدهور الزراعي

وبما أن الزراعة مطرية غالباً في الولاية، فإن تراجع الأمطار تدريجياً ينعكس على القدرة الإنتاجية. يرى المسؤول المناخي عينه (محمد أحمد) أن تراجع نسبة الأمطار في الولاية نتيجة للتغييرات المناخية ُيمثل أكبر تحدي في للولاية، وتحديداً في ظل حديث أممي (هناك تقرير لبرنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة) عن ارتباط التغييرات المناخية وتدهور الأراضي الزراعية والرعوية، بنزاعات خطيرة وبخاصة في فترة الخريف في إقليم دارفور.

ومن الأسباب أيضاً قطع الأشجار والرعي غير المتوازن للماشية. هنا يربط مدير السجل الزراعي ومنسق التغيير المناخي بالمجلس الأعلى للبيئة محمد أحمد، بين التدهور البيئي في الولاية والقطع المتواصل للأشجار والرعي “الجائر”، أي غير الخاضع لضوابط. والرعي هنا يتسبب بانبعاثات غازية (الميثان المنبعث من الأبقار مؤذ للبيئة)، علاوة على ايذائه المناطق الزراعية، إذ من الصعب غالباً ضبط مسار الماشية بأعداد كبيرة.

ويشير أحمد الى أن العديد من السكان يعتمدون في معيشتهم على جمع الحطب الذي يُستخدم بصورة واسعة جداً كوقود في الولاية. لكن لارتفاع عدد الماشية وأيضاً قطع الأشجار، وما يرافقهما من استمرار تأثير التغيير المناخي وقلة الإنتاج، آثاراً مستدامة على كل مناحي الحياة في الولاية لأن الزراعة تُمثل الدعامة الاقتصادية الأولى للإنسان فيها.

هذا المسار مماثل في اليمن. يعزو المهندس الزراعي، حسين العمري، أسباب تدهور القطاع الزراعي في ريمة وغيرها من المناطق اليمنية الريفية خلال العقد الأخير، إلى تلاشي الجيل السابق ذات الخبرة الزراعية إضافة إلى تدهور المدرجات الزراعية وانجرافها جرّاء الأمطار، إذ تُمثل المدرجات حوالى  90% من إجمالي المساحات الزراعية في ريمة، وفق تقديرات غير رسمية.

ويضيف العمري، أن انخفاض فرص العمل للشباب في الأرياف والفلاحين دفعهم للهجرة إلى المدن سواء هجرة داخلية أو خارجية بحثاً عن مصدر دخل بدلاً من الاهتمام بفلاحة الأرض، بعدما أصبحت الزراعة مهنة غير مربحة في نظرهم، يرجعونها إلى قلة المحصول وتدني أسعارها.

ويشير العمري، إلى أن اتساع التصحر وشحة الأمطار، من أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع القطاع الزراعي، خصوصًا أن أكثر من نصف المساحات الزراعية في ريمة تعتمد على مياه الأمطار، إذ تراجعت تلك المساحات من 13,221 هكتارًا، من إجمالي 26,981 هكتارًا في 2012م، إلى 10,143 هكتارًا في 2018م، من إجمالي 20,285 هكتارًا.

ويردف أن القطاع الزراعي تعرض للإهمال من الدولة نتيجة الأوضاع غير المستقرة التي يعاني منها البلد بشكل عام خلال العقد الأخير، إضافة إلى عدم وجود أي خطط وسياسات عامة لرفد الأنشطة الزراعية، موضحًا “أما خلال السنوات الخمس الماضية، فقد أثر انعدام المشتقات النفطية والأسمدة وغيرها، على كمية الإنتاج الزراعي وتصحرت الكثير من المساحات الزراعية بريمة”.

أدت الأمطار الغزيرة والسيول العام الماضي إلى خسائر وأضرار واسعة في القطاع الزراعي بريمة، تلخصت في انجراف المدرجات الزراعية وانفجار الخزانات والسدود المائية، ونفوق 287 راس من الثروة الحيوانية في المحافظة، وتقدّر تلك الخسائر بنحو 31 مليار و592 مليون و560 ألف ريال، وفق تقارير حكومية بريمة (إحصاءات دورية لوزارة الزراعة).

 

حلول لمواجهة التصحر

في السياق ذاته، يرى جلال السامعي، خبير زراعي، أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية بالإضافة إلى التغير المناخي الذي طرأ على اليمن؛ كلها ظروف انعكست على واقع الزراعة في ريمة والريف اليمني بشكل عام، الأمر الذي يتطلب مجموعة من الحلول لمواجهتها ووضع حد لهذه المشكلة التي تمس الزراعة كمهنة يمارسها ملايين اليمنيين.

ويتطرق السامعي، إلى أن من أبرز هذه الحلول، تطوير مصادر المياه سواء مياه الأمطار الموسمية أو المياه الجوفية، من خلال تأهيل السدود في مناطق ريمة، وبناء خزانات وحواجز مائية لتخزين مياه الأمطار، لتعزيز الموارد المائية التي ستساعد في انعاش الزراعة، إضافة إلى استخدام وسائل ري حديثة أثناء استخدام المياه الجوفية.

وتحتاج المدرجات الزراعية التي تمثل معظم الأراضي الزراعية في ريمة إلى صيانة بشكل دائم لتفادي انهيارها وانجراف التربة، علاوة على ضرورة حماية الغابات والمحميات الطبيعية ووقف التحطيب ومنع قطع الأشجار، يستطرد السامعي.

ويوضح أن الزراعة في الأرياف بحاجة إلى اهتمام أكبر من الجهات المعنية، لتشجيع السكان على ممارسة الأنشطة الزراعية من خلال زراعة المحاصيل النقدية التي توفر فرص عمل للكثيرين، إضافة إلى تبني حملات توعوية محلية تساهم في التوعية بأهمية زراعة البن وغيرها من المحاصيل المشهورة في مناطق ريمة.

يتفق خبراء سودانيون مع هذه التوصيات، وعلى أنها تنطبق على شمال دارفور أيضاً، ويشيرون الى أن السلطات المركزية والمحلية للآن لم تجد حلولاً عصرية للري بدلاً من الاعتماد على مياه الأمطار الشحيحة، ولم تنظم الرعي وتضع ضوابط له في ظل السلاح المتفلت. وهذه كلها حلول ضرورية. ذاك أن مزارعين أخلوا 65 قرية بالمنطقة الى ترك مزارعهم للنجاة من هجمات الرعاة المسلحين، وذلك في نزاع على الموارد بين طرفين كلاهما تضرر من تبدل المناخ وتراجع منسوب الأمطار.

المزارع اسماعيل خميس من بين هؤلاء الضحايا، إذ اضطُر الى التخلي بالكامل عن مزرعته من أجل سلامته وذلك بعد هجوم مسلحين بمواشيهم على المزارعين في منطقة طويلة بشمال دارفور. إسماعيل قال لـ”عاين” إن  مزرعته التي تركها “تبلغ نحو 20 فداناً من الفول والذرة  بمنطقة طويلة”. إسماعيل ومزارع آخر اسمه “محمد تحدثا عن معاناتهما التي تتأرجح ما بين تلف المزروعات نتيجة شح الأمطار، وما بين النزوح بعد اعتداءات مسلحة من الرعاة.

بحسب محمد، قلة الأمطار تدفع بعض المزارعين إلى تمديد مساحة مزارعهم لتعويض الإنتاج، وهذه مشكلة “كبيرة” لأن “الزيادة الأفقية دائماً خصماً على المراعي والغابات وفي كثير من الأحيان تتسبب في نزاعات واحتكاكات” تأخذ طابعاً دموياً في إقليم شهد حرباً طويلة أودت بحياة مئات الآلاف وخلّفت ملايين النازحين.

يبقى أن تبدل المناخ ترك أثراً على القدرات الزراعية في كل من السودان واليمن، ويُهدد الأمن الغذائي والسلم الأهلي أيضاً، وبات وفقاً لخبراء في البلدين، من الضروري السعي لإيجاد حلول مستدامة بات أغلبها معروف لحماية البيئة وإدارة الموارد المائية بشكل أكثر فاعلية.

 

*تم إنتاج هذه المادة بالشراكة بين منصتي ريمة بوست اليمنية وعاين السودانية